للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النتيجة الرابعة: تعظيم نصوص الكتاب والسنة:

إن الالتزام بهذا المنهج يجعل المسلم في موقف المعظم لنصوص الكتاب والسنة؛ لأنه يعتقد أن كل ما تضمنته هو الحق والصواب، وفي خلافها الباطل والضلال.

أما المخالفون فقد سقطت من نفوسهم هيبة النصوص حتى استحلوا حرماتها، وعاثوا فيها تكذيباً أو تحريفاً، وإن أحسنوا المعاملة أعرضوا عنها بقلوبهم وعقولهم ولم يستدلوا بشيءٍ منها، فهم: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) (البقرة: ٧٨).

النتيجة الخامسة: عصمة علوم أهل السنة:

أهل السنة معصومون فيما يأخذونه عن إجماع الصحابة والتابعين؛ لأن إجماعهم حجة، ولا تجتمع هذه الأمة على ضلالة، فكيف إذا أجمع السلف الصالح من الصحابة وتابعيهم على مسألةٍ، فإن خلافهم فيها لا يجوز؛ لأنه خلاف الإجماع، وخلاف القرون المفضلة.

أما أهل البدع والتفرق فلم يبالوا بهذا الأصل، حتى أعلنوا مخالفتهم لسلف الأمة وأئمتها، ونسبوهم إلى أعظم السفه والجهل.

النتيجة السادسة: السكوت عما سكت عنه السلف:

كل مسألة سكت عنها الصحابة والسلف الصالح وتكلم فيها الخلف -ولاسيما فيما يتعلق بمسائل الاعتقاد والإيمان- إلا كان السكوت عنها أولى وأليق، ولم يأت فيها الخلف إلا بباطل من القول وزورا. ولهذا قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله في وصيته إلى عدي بن أرطأة: ( ... فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزلل، والحمق والتعمق، فارض لنفسك بما يرضى به القوم لأنفسهم؛ فإنهم عن علم وقفوا، وببصرٍ قد كفوا، ولهم كانوا على كشف الأمور أقوى -بفضل- لو كان فيه أجر، فلئن قلتم: أمر حدث بعدهم، ما أحدثه بعدهم إلا من اتبع غير سنتهم، ورغب بنفسه عنهم، إنهم لهم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم مقصر، وما فوقهم محسر، لقد قصر عنهم آخرون فضلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم) (١).

النتيجة السابعة: النجاة المحضة موقوفة على متابعة مذهب أهل السنة:

إن النجاة المحضة وقف على من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذا إنما يُعرف عن طريق السنن المروية، والآثار الصحابية، وأولى الناس بمعرفة ذلك هم أهل السنة والجماعة؛ وذلك لاشتغالهم وعنايتهم بها، وانتسابهم إليها، بعكس أهل البدع من المتكلمة والمتصوفة الذين هم من أبعد الناس عن معرفة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، مستغنين عن ذلك بالمحاورات الفلسفية والخيالات الصوفية، ومنهم من يعترف بقلة بضاعته من الإرث النبوي، ومنهم من لو اطلعت على مصنفاته لا تكاد تقف على آيةٍ كريمة، أو حديثٍ شريف، أو أثرٍ عن صحابي شاهدين على أنفسهم بالجفاء.

ثم ها هي الفرق الكبار: المعتزلة والخوارج والشيعة كلهم يطعن في الصحابة رضوان الله عليهم طعناً صريحاً (٢):

أما المعتزلة فقد طعن زعيمهم النظام في أكثر الصحابة وأسقط عدالة ابن مسعود، وطعن في فتاوى علي بن أبي طالب، وثلب عثمان ابن عفان، وطعن في كل من أفتى من الصحابة بالاجتهاد، وقال: إن ذلك منهم إنما كان لأجل أمرين: إما لجهلهم بأن ذلك لا يحل لهم، وإما لأنهم أرادوا أن يكونوا زعماء وأرباب مذاهب تنسب إليهم، فنسب خيار الصحابة إلى الجهل أو النفاق.

ثم إنه أبطل إجماع الصحابة ولم يره حجة، وأجاز أن تجتمع الأمة على الضلالة.


(١) الشريعة للآجري ص: ٢٣٣.
(٢) انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي ص: ٣١٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>