وألقيت عصى التّسيار ببلاده الشريفة بعد أن تحققت بفضل الإنصاف أنها أحسن البلدان لان الفواكه بها متيسرة والمياه والاقوات غير متعذّرة، وقل إقليم يجمع ذلك كله، ولقد أحسن من قال:
الغرب أحسن أرض ... ولي دليل عليه
البدر يرقب منه ... والشمس تسعى إليه!
ودراهم الغرب صغيرة، وفوائدها كثيرة، وإذا تأملت أسعاره مع أسعار ديار مصر والشام ظهر لك الحقّ في ذلك، ولاح فضل بلاد المغرب، فأقول: إن لحوم الاغنام بديار مصر تباع بحساب ثمان عشرة أوقية بدرهم «١٠٤» نقرة، والدرهم النقرة ستة دراهم من دراهم المغرب، وبالمغرب يباع اللّحم إذا غلا سعره ثمان عشرة أوقية بدرهمين، وهما ثلث النقرة، وأما السّمن فلا يوجد بمصر في أكثر الأوقات والذي يستعمله أهل مصر من أنواع الإدام لا يلتفت إليه بالمغرب «١٠٥» ، ولأن أكثر ذلك العدس والحمص يطبخونه في قدور راسيات، ويجعلون عليه السّيرج والبسلّا «١٠٦» ، وهو صنف من الجلبان يطبخونه ويجعلون عليه الزيت، والقرع يطبخونه ويخلطونه باللبن، والبقلة الحمقاء يطبخونها كذلك، وأعين أغصان اللوز يطبخونها ويجعلون عليها اللّبن، والقلقاس «١٠٧» يطبخونه، وهذا كله متيسّر بالمغرب لكن أغنى الله عنه بكثرة اللحم والسمن والزبد والعسل وسوى ذلك، وأما الخضر فهي أقلّ الأشياء ببلاد مصر، وأما الفواكه فأكثرها مجلوبة من الشام، وأما العنب فإذا كان رخيصا بيع عندهم بثلاثة أرطال من أرطالهم بدرهم نقرة، ورطلهم اثنتا عشر أوقية.
وأما بلاد الشام فالفواكه بها كثيرة إلا أنها ببلاد المغرب أرخص منها ثمنا فإن العنب يباع بها بحساب رطل من أرطالهم بدرهم نقرة ورطلهم ثلاثة أرطال مغربية، وإذا رخص ثمنه بيع بحساب رطلين بدرهم نقرة، والإجاص يباع بحساب عشر أواقي بدرهم نقرة، وأما الرمان والسفرجل فتباع الحبة منه بثمانية فلوس وهي درهم من دراهم المغرب وأما الخضر فيباع بالدرهم النقرة منها أقل مما يباع في بلادنا بالدرهم الصغير، وأما اللحم فيباع فيها