دهلى وإخراجه أهلها، فأخذ السلطان سيفه ودفعه لصدر الجهان، وقال: يثبت هذا أني ظالم واقطع عنقي بهذا السيف! فقال له شهاب الدين: ومن يريد أن يشهد بذلك فيقتل، ولكن أنت تعرف ظلم نفسك! وأمر بتسليمه للملك نكبية راس الدويداريّة، فقيّده بأربعة قيود وغلّ يديه وأقام كذلك أربعة عشر يوما مواصلا لا ياكل ولا يشرب! وفي كل يوم منها يؤتى به إلى المشور ويجمع الفقهاء والمشايخ، ويقولون له ارجع عن قولك، فيقول: لا أرجع عنه وأريد أن أكون في زمرة الشهداء! فلما كان اليوم الرابع عشر بعث إليه السلطان بطعام مع مخلص الملك، فأبى أن يأكل، وقال: قد رفع رزقي من الأرض! ارجع بطعامك إليه! فلما أخبر بذلك السلطان أمر عند ذلك أن يطعم الشيخ خمسة إستار «٩٤» من العذرة! وهي رطلان ونصف من أرطال المغرب، فأخذ ذلك الموكلون بمثل هذه الأمور، وهم طائفة من كفار الهنود، فمدّوه على ظهره وفتحوا فمه بالكلبتين وحلّوا العذرة بالماء، وسقوه ذلك، وفي اليوم بعده أتي به إلى دار القاضي صدر الجهان وجمع الفقهاء والمشايخ ووجوه الأعزة فوعظوه وطلبوا منه أن يرجع عن قوله فأبى ذلك فضربت عنقه، رحمه الله تعالى
ذكر قتله للفقيه المدرس عفيف الدين الكاساني «٩٥» وفقيهين معه
وكان السّلطان في سنين القحط قد أمر بحفر آبار خارج دار الملك، وأن يزرع هنالك «٩٦» زرع وأعطى الناس البذر وما يلزم على الزراعة من النفقة وكلفهم زرع ذلك للمخرن، فبلغ ذلك الفقيه عفيف الدين، فقال: هذا الزرع لا يحصل المراد منه! فوشى به إلى السلطان فسجنه وقال: له لأي شيء تدخل نفسك في أمور الملك؟ ثم إنه سرّحه بعد مدة فذهب إلى داره.
ولقيه في طريقه إليها صاحبان له من الفقهاء، فقالا له: الحمد لله على خلاصك، فقال الفقيه: الحمد لله الذي نجّانا من القوم الظالمين «٩٧» ، وتفرقوا فلم يصلوا إلى دورهم حتى بلغ ذلك السلطان، فأمر بهم فأحضر ثلاثتهم بين يديه، فقال: اذهبوا بهذا، يعني عفيف