وأصابني المرض في هذه البلاد لاشتداد الحر وغلبة الصفراء، واجتهدنا في السير إلى أن وصلنا إلى مدينة تكدّا، وضبطها بفتح التاء المعلوة والكاف المعقودة والدال المهمل مع تشديده، ونزلت بها في جوار شيخ المغاربة سعيد بن علي الجزولي «١١٩» ، وأضافني قاضيها أبو إبراهيم إسحاق الجاناتي، وهو من الأفاضل وأضافني جعفر بن محمد المسّوفي.
وديار تكدّا مبنية بالحجارة الحمر، وماؤها يجري على معادن النحاس فيتغيّر لونه وطعمه بذلك «١٢٠» ، ولا زرع بها إلا يسير من القمح يأكله التجار والغرباء ويباع بحساب عشرين مدّا من أمدادهم «١٢١» بمثقال ذهب، ومدّهم ثلث المدّ ببلادنا، وتباع الذّرة عندهم بحساب تسعين مدّا بمثقال من ذهب، وهي كثيرة العقارب وعقاربها تقتل من كان صبيا لم يبلغ، وأما الرجال فقلّما تقتلهم، ولقد لدغت يوما، وأنا بها، ولدا للشيخ سعيد ابن علي عند الصبح فمات لحينه، وحضرت جنازته.
ولا شغل لأهل تكدّا غير التجارة يسافرون كلّ عام إلى مصر ويجلبون من كلّ ما بها من حسان الثياب وسواها، ولاهلها رفاهية وسعة حال ويتفاخرون بكثرة العبيد والخدم، وكذلك أهل مالي وإيوالّاتن ولا يبيعون المعلمات منهن إلا نادرا وبالثمن الكثير.
حكاية [جوار معلّمات]
أردت- لما دخلت تكدّا- شراء خادم معلّمة فلم أجدها ثم بعث إليّ القاضي ابو ابراهيم بخادم لبعض أصحابه فاشتريتها بخمسة وعشرين مثقالا ثم إن صاحبها ندم ورغب في الإقالة، فقلت له: إن دللتني على سواها أقلتك، فدلّني على خادم لعليّ أغيول، وهو المغربي التادلي الذي أبى أن يرفع شيئا من أسبابي حين وقعت ناقتي، وأبى أن يسقي غلامي الماء حين عطش! فأشتريتها منه وكانت خيرا من الأولى، وأقلت صاحبي الأول، ثم ندم هذا المغربي على بيع الخادم ورغب في الإقالة وألح في ذلك فأبيت إلا أن أجازيه بسوء فعله! فكاد أن يجن أو يهلك أسفا ثم أقلته بعد!!