وأهل دمشق لا يعملون يوم السبت عملا، إنما يخرجون إلى المنتزهات وشطوط الأنهار، ودوحات الأشجار، بين البساتين النضيرة، والمياه الجارية، يكونون بها يومهم إلى الليل، وقد طال بنا الكلام في محاسن دمشق فلنرجع إلى كلام الشيخ أبي عبد الله.
[ذكر جامع دمشق المعروف بجامع بني أمية]
وهو أعظم مساجد الدّنيا احتفالا، وأتقنها صناعة وأبدعها حسنا وبهجة وكمالا، ولا يعلم له نظير ولا يوجد له شبيه، وكان الذي تولى بناءه وإتقانه أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك بن مروان «١٧٦» ، ووجه إلى ملك الروم بقسطنطينية يأمره أن يبعث اليه الصناع، فبعث اليه أثنى عشر ألف صانع، وكان موضع المسجد كنيسة فلما افتتح المسلمون دمشق دخل خالد بن الوليد رضي الله عنه من إحدى جهاتها بالسيف فانتهى إلى نصف الكنيسة، ودخل أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه من الجهة الغربية صلحا فانتهى إلى نصف الكنيسة فصنع المسلمون من نصف الكنيسة الذي دخلوه عنوة مسجدا وبقى النصف الذي صالحوا عليه كنيسة «١٧٧» ! فلما عزم الوليد على زيادة الكنيسة في المسجد طلب من الروم أن يبيعوا منه كنيستهم تلك بما شاءوا من عوض، فأبوا عليه فانتزعها من أيديهم، وكانوا يزعمون أن الذي يهدمها يجنّ، فذكروا ذلك للوليد فقال: أنا أول من يجنّ في سبيل الله! وأخذ الفأس وجعل يهدم بنفسه فلما رأى المسلمون ذلك تتابعوا على الهدم وأكذب الله زعم الروم.
وزيّن هذا المسجد بفصوص الذهب المعروفة بالفسيفساء «١٧٨» تخالطها أنواع الأصبغة الغريبة الحسن، وذرع المسجد في الطول من الشرق إلى الغرب مائتا خطوة، وهي