وأقمت بعد بعث هذه الضيافة شهرين لم يصل إليّ فيهما شيء من قبل السلطان، ودخل شهر رمضان «٦٨» ، وكنت خلال ذلك أتردد إلى المشور وأسلم عليه وأقعد مع القاضي والخطيب، فتكلمت مع دوغا الترجمان، فقال: تكلم عنده وأنا أعبّر عنك بما يجب، فجلس في أوائل رمضان، وقمت بين يديه وقلت له: إني سافرت بلاد الدنيا ولقيت ملوكها ولي ببلادك منذ أربعة أشهر ولم تضفني ولا أعطيتني شيئا! فماذا أقول عنك عند السلاطين؟! فقال:
إني لم أرك ولا علمت بك، فقام القاضي وابن الفقيه فردّا عليه وقالا: إنه قد سلّم عليك وبعثت إليه الطعام! فأمر لي عند ذلك بدار أنزل بها ونفقة تجرى عليّ، ثم فرق على القاضي والخطيب والفقهاء مالا ليلة سبعة وعشرين من رمضان يسمونه الزكاة «٦٩» ، وأعطاني معهم ثلاثة وثلاثين مثقالا وثلثا وأحسن إليّ عند سفري بمائة مثقال ذهبا.
ذكر جلوسه بقبّته
وله قبّة مرتفعة، بابها بداخل داره يقعد فيها أكثر الاوقات «٧٠» ، ولها من جهة المشور طيقان ثلاثة من الخشب مغشاة بصفائح الفضة، وتحتها ثلاثة مغشاة بصفائح الذهب، أو هي فضة مذهبة، وعليها ستور ملف، فإذا كان يوم جلوسه بالقبة رفعت الستور، فعلم أنه يجلس، فإذا جلس أخرج من شباك إحدى الطاقات شرّابة حرير قد ربط فيها منديل مصري مرقوم، فإذا رأى الناس المنديل ضربت الأطبال والأبواق، ثم يخرج من باب القصر نحو ثلاثمائة من العبيد في أيدي بعضهم القسّي، وفي أيدي بعضهم الرماح الصغار والدّرق، فيقف أصحاب الرّماح منهم ميمنة وميسرة، ويجلس أصحاب القسّي كذلك، ثم يوتي بفرسين مسرجين ملجمين ومعهما كبشان يذكرون أنهما ينفعان من العين! وعند جلوسه يخرج ثلاثة من عبيده مسرعين فيدعون نائبه قنجا موسى، وتاتي الفرارية «٧١» ، بفتح الفاء، وهم الامراء وياتي الخطيب والفقهاء فيقعدون أمام السّلحدارية يمنة ويسرة في المشور ويقف دوغا الترجمان على باب المشور وعليه الثياب الفاخرة من