مكسورة، ثم سافرت منها إلى مدينة البهنسة «١٦٥» ، وهي مدينة كبيرة وبساتينها كثيرة، وضبط اسمها بفتح الموحدة واسكان الهاء وفتح النون والسين، وتصنع بهذه المدينة ثياب الصوف الجيدة.
وممن لقيته بها قاضيها العالم شرف الدين، وهو كريم النفس فاضل، ولقيت بها الشيخ الصالح أبا بكر العجمي، ونزلت عنده وأضافني، ثم سافرت منها إلى مدينة منية ابن خصيب، وهي مدينة كبيرة الساحة، متسعة المساحة، مبنية على شاطىء النّيل «١٦٦» ، وحقيق حقيق لها على بلاد الصعيد التفضيل، بها المدارس والمشاهد والزوايا، والمساجد، وكانت في القديم منية لخصيب عامل مصر «١٦٧» .
[حكاية خصيب]
يذكر أن أحد الخلفاء من بني العباس رضي الله عنهم غضب على أهل مصر فآلى أن يولى عليهم أحقر عبيده وأصغرهم شأنا قاصدا لإرذالهم والتنكّل، وكان خصيب أحقرهم اذ كان يتولى تسخين الحمام «١٦٨» ، فخلع عليه وأمّره على مصر، وظنّه أنه يسير فيهم سيرة سوء ويقصدهم بالإذاية حسبما هو المعهود ممن ولى عن غير عهد بالعز، فلما استقر خصيب بمصر سار في أهلها أحسن سيرة، وشهر بالكرم والإيثار فكان أقارب الخلفاء وسواهم يقصدونه فيجزل العطاء لهم ويعودون إلى بغداد شاكرين لما أولاهم.
وإن الخليفة افتقد بعض العبّاسيين وغاب عنه مدة ثم أتاه فسأله عن مغيبه، فأخبره أنه قصد خصيبا، وذكر له ما أعطاه خصيب، وكان عطاء جزيلا، فغضب الخليفة وأمر بسمل عيني خصيب وإخراجه من مصر إلى بغداد، وأن يطرح في أسواقها، فلما ورد الامر بالقبض