وكان الأمير غياث الدين محمد بن عبد القاهر بن يوسف بن عبد العزيز بن الخليفة المستنصر بالله العباسي البغدادي «٥٤» قد وفد على السلطان علاء الدين طرمشيرين ملك ما وراء النهر فأكرمه، وأعطاه الزاوية التي على قبر قثم بن العباس رضي الله عنهما «٥٥» واستوطن بها أعواما، ثم لما سمع بمحبة السلطان في بني العباس وقيامه بدعوتهم أحب القدوم عليه، وبعث له برسولين، أحدهما صاحبه القديم محمد بن أبي الشّرفي الحرباوي، والثاني محمد الهمداني الصوفي فقدما على السلطان، وكان ناصر الدين الترمذي، الذي تقدم ذكره، قد لقى غياث الدين ببغداد وشهد لديه البغداديون بصحة نسبه، فشهد هو عند السلطان بذلك فلما وصل رسولاه إلى السلطان أعطاهما خمسة آلاف دينار وبعث معهما ثلاثين ألف دينار إلى غياث الدين ليتزورد بها إليه وكتب له كتابا بخط يده يعظمه فيه ويسأل منه القدوم عليه.
فلما وصله الكتاب رحل إليه، فلما وصل إلى بلاد السند، وكتب المخبرون بقدومه بعث السلطان من يستقبله على العادة، ثم وصل إلى سرستي بعث أيضا لاستقباله صدر الجهان قاضي القضاة كمال الدين الغزنوي وجماعة من الفقهاء ثم بعث الأمراء لاستقباله فلما نزل بمسعود آباد خارج الحضرة خرج السلطان بنفسه لاستقباله فلما التقيا ترجّل غياث الدين فترجل له السلطان وخدم، فخدم له السلطان، وكان قد استصحب هدية في جملتها ثياب، فأخذ السلطان آحد الأثواب وجعله على كتفه، وخدم كما يفعل الناس معه. ثم قدمت الخيل، فأخذ السلطان أحدها بيده وقدمه له، وحلف أن يركب وامسك بركابه حتى ركب ثم ركب السلطان وسايره والشطر يظلهما معا. وأخذ التنبول بيده وأعطاه إياه، وهذا أعظم ما أكرمه به، فإنه لا يفعله مع واحد، وقال له: لولا أني بايعت الخليفة أبا العباس (٥٥) لبايعتك! فقال له غياث الدين وأنا أيضا على تلك البيعة، وقال له غياث الدين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما: من أحيي أرضا مواتا فهي له، وأنت احييتنا، فجاوبه السلطان بألطف جواب وأبره.