ولونه لون الطّفل، تأتي الفيلة بالأحمال منه فيقطعونه قطعا على قدر قطع الفحم عندنا ويشعلون النار فيه فيقد كالفحم وهو أشد حرارة من نار الفحم، وإذا صار رمادا عجنوه بالماء ويبسوه وطبخوا به ثانية، ولا يزالون يفعلون به كذلك إلى أن يتلاشى، ومن هذا التّراب يصنعون أواني الفخار الصيني ويضيفون إليه حجارة سواه كما ذكرناه «٤٨» .
[ذكر ما خصوا به من إحكام الصناعات]
وأهل الصين أعظم الأمم إحكاما للصناعات، وأشدهم إتقانا فيها «٤٩» ، وذلك مشهور من حالهم، قد وصفه الناس في تصانيفهم فأطنبوا فيه، وأما التصوير فلا يجاريهم أحد في إحكامه من الروم ولا من سواهم. فان لهم فيه اقتدارا عظيما، ومن عجيب ما شاهدت لهم من ذلك أني ما دخلت قطّ مدينة من مدنهم ثم عدت إليها إلا ورأيت صورتي وصور أصحابي منقوشة في الحيطان والكواغد موضوعة في الأسواق! ولقد دخلت إلى مدينة السلطان فمررت على سوق النّقاشين ووصلت إلى قصر السلطان مع أصحابي، ونحن على زيّ العراقيين فلما عدت من القصر عشيا مررت بالسوق المذكورة فرأيت صورتي وصور أصحابي منقوشة في كاغد قد ألصقوه بالحائط، فجعل كل واحد منا ينظر إلى صورة صاحبه لا تخطىء شيئا من شبهه، وذكر لي أن السلطان أمرهم بذلك وأنهم أتوا إلى القصر ونحن به فجعلوا ينظرون إلينا ويصورون صورنا ونحن لم نشعر بذلك، وتلك عادة لهم في تصوير كل من يمر بهم وتنتهي حالهم في ذلك إلى أن الغريب إذا فعل ما يوجب فراره عنهم بعثوا صورته إلى البلاد وبحث عنه فحيثما وجد شبه تلك الصورة أخذ.
قال ابن جزي: هذا مثل ما حكاه أهل التاريخ من قضية ساپور ذي الاكتاف ملك الفرس، حين دخل إلى بلاد الروم متنكّرا، وحضر وليمة صنعها ملكهم وكانت صورته على بعض الأواني فنظر إليها بعض خدّام قيصر فانطبعت على صورة سابور، فقال لملكه: إن