وكانت الجواري المرهتيات تعجبني، فقلت له: إنما أريد المرهتية! فبعثها لي وكان اسمها قل استان، ومعناه زهر البستان، وكانت تعرف اللسان الفارسي فأعجبتني، وأهل تلك الجزائر لهم لسان لم أكن أعرفه «٢٢٥» ، ثم بعث إلي في غد ذلك بجارية معبرية تسمى عنبري «٢٢٦» .
ولمّا كانت الليلة بعدها جاء الوزير إليّ، بعد العشاء الأخيرة، في نفر من أصحابه فدخل الدار ومعه غلامان صغيران، فسلمت عليه، وسألني عن حالي فدعوت له وشكرته، فألقى أحد الغلامين بين يديه لقشة وهي شبه السّبنيّة «٢٢٧» ، وأخرج منها ثياب حرير وحقّا فيه جوهر وحلي، فأعطاني ذلك وقال لي: لو بعثته لك مع الجارية، لقالت: هو مالي جئت به من دار مولاي والآن هو مالك فأعطه إياها! فدعوت له وشكرته وكان أهلا للشكر رحمه الله.
[ذكر تغيره وما أردته من الخروج ومقامي بعد ذلك]
وكان الوزير سليمان مانايك قد بعث إلي أن أتزوج بنته، فبعثت إلى الوزير جمال الدين مستأذنا في ذلك فعاد إلي الرسول وقال: لم يعجبه ذلك، وهو يحب أن يزوجك بنته إذا انقضت عدتها، فأبيت أنا ذلك وخفت من شؤمها لأنه مات تحتها زوجان قبل الدخول! وأصابتني أثناء ذلك حمّى مرضت بها، ولا بد لكل من يدخل تلك الجزيرة أن يحمّ «٢٢٨» ، فقوى عزمي على الرحلة عنها، فبعث بعض الحلي بالودع، واكتريت مركبا أسافر فيه لبنجالة.
فلما ذهبت لوداع الوزير خرج إليّ القاضي، فقال: الوزير يقول لك: إن شئت السّفر فأعطنا ما أعطيناك وسافر! فقلت له: إن بعض الحلي اشتريت به الودع، فشأنكم وإياه، فعاد إلي فقال: يقول إنما أعطيناك الذهب ولم نعطك الودع! فقلت له: أنا أبيعه وأتيكم بالذهب، فبعثت إلى التجار ليشتروه مني فأمرهم الوزير أن لا يفعلوا، وقصده بذلك كله أن لا أسافر عنه!! ثم بعث إلي أحد خواصه، وقال: الوزير يقول لك: أقم عندنا ولك كل ما أحببت، فقلت في نفسي: أنا تحت حكمهم، وإن لم أقم مختارا أقمت مضطرا فالإقامة باختياري أولى!