[ذكر ترتيب رحيله وشنيع فعله في قتل النساء والولدان.]
وكانت الأرض التي نسلكها غيضة واحدة من الأشجار والقصب بحيث لا يسلكها أحد فأمر السلطان أن يكون مع كل واحد من في الجيش من كبير وصغير قادوم لقطع ذلك، فإذا نزلت المحلة ركب إلى الغابة والناس معه فقطعوا تلك الأشجار من عدوة النهار إلى الزوال، ثم يوتي بالطعام فيأكل جميع الناس طائفة بعد أخرى، ثم يعودون إلى قطع الأشجار إلى العشى وكلّ من وجوده من الكفار في الغيضة أسروه، وصنعوا خشبة محددة الطرفين فجعلوها على كتفيه يحملها ومعه امرأته وأولاده ويوتي بهم إلى المحلة! وعادتهم أن يصنعوا على المحلة سورا من خشب يكون له أربعة أبواب ويسمونه الكتكر، بفتح الكافين وسكون التاء المعلوة وآخره راء، ويصنعون على دار السلطان كتكرا ثانيا ويصنعون خارج الكتكر الأكبر مصاطب ارتفاعها نحو نصف قامة ويوقدون عليها النار باللّيل ويبيت عندها العبيد والمشاؤون، ومع كل واحد منهم حزمة من رقيق القصب، فإذا أتى احد من الكفار ليضربوا على المحلة ليلا أوقد كل واحد منهم الحزمة التي بيده، فعاد اللّيل شبه النهار، لكثرة الضياء وخرجت الفرسان في اتباع الكفار، فإذا كان عند الصباح، قسم الكفار الماسورون بالأمس أربعة أقسام وأوتى إلى كلّ باب من أبواب الكتكر بقسم منهم فركزت الخشب التي كانوا يحملونها بالأمس عنده ثم ركزوا فيها حتى تنفذهم، ثم تذبح نساؤهم ويربطن بشعورهم إلى تلك الخشبات ويذبح الأولاد الصغار في حجورهن ويتركون هنالك وتنزل المحلة ويشتغلون بقطع غيضة أخرى ويصنعون بمن أسروه كذلك! وذلك أمر شنيع ما علمته لأحد من الملوك وبسببه عجل الله حينه! ولقد رأيته يوما والقاضي عن يمينه وأنا عن شماله وهو يأكل معنا وقد أوتي بكافر معه امرأته وولده سنّه سبع فأشار إلى السيافين بيده أن يقطعوا رأسه، ثم قال لهم وزن أو وبّسر أو «٢٨٣» معناه:
وابنه وزوجته فقطعت رقابهم، وصرفت بصري عنهم فلما قمت وجدت رؤوسهم مطروحة بالأرض! وحضرت عنده يوما وقد أتي برجل من الكفار فتكلم بما لم أفهمه فإذا بجماعة من الزبانية قد استلوا سكاكينهم، فبادرت القيام، فقال لي: إلى أين؟ فقلت: أصلي العصر، ففهم عني وضحك، وأمر بقطع يديه ورجليه، فلما عدت وجدته متشطحا في دمائه!