بأعلى سطح بيته والأشجار مظلّلة له وذلك أوان الحرّ الشديد، وأتى الينا بأنواع الفاكهة، واحسن في ضيافته وعلّف دوابنا، وبتنا عنده تلك الليلة، وكنّا قد تعرّفنا أن بهذه المدينة مدرّسا فاضلا يسمّى بمحي الدين، فأتى بنا ذلك الرجل الذي بتنا عنده وكان من الطلبة إلى المدرسة، وإذا بالمدرّس قد أقبل راكبا على بغلة فارهة، ومماليكه وخدّامه عن جانبيه، والطلبة بين يديه وعليه ثياب مفرّجة حسان مطرّزة بالذهب فسلّمنا عليه فرحّب بنا وأحسن السلام والكلام وأمسك بيدي وأجلسني إلى جانبه، ثم جاء القاضي عزّ الدين فرشتى، ومعنى فرشتى الملك، لقّب بذلك لدينه وعفافه وفضله، فقعد عن يمين المدرّس وأخذ في تدريس العلوم الأصليّة والفرعيّة ثم لمّا فرغ من ذلك أتى دويرة بالمدرسة فأمر بفرشها وأنزلني فيها وبعث ضيافة حافلة ثم وجّه عني بعد المغرب فمضيت إليه فوجدته في مجلس ببستان له وهنالك صهريج ماء ينحدر اليه الماء من خصّة رخام أبيض يدور بها القاشانيّ، وبين يديه جملة من الطلبة، ومماليكه وخدّامه وقوف عن جانبيه وهو قاعد على مرتبة عليها أنطاع منقوشة حسنة فخلته لمّا شاهدته ملكا من الملوك، فقام إليّ واستقبلني وأخذ بيدي واجلسني إلى جانبه على مرتبته وأتي بالطعام فاكلنا وانصرفنا إلى المدرسة.
وذكر لي بعض الطلبة أنّ جميع من حضر تلك الليلة من الطلبة عند المدرّس، فعادتهم الحضور لطعامه كلّ ليلة، وكتب هذا المدرّس إلى السلطان بخبرنا وأثنى في كتابه، والسلطان في جبل هنالك يصيّف فيه لاجل شدّة الحرّ وذلك الجبل بارد وعادته أن يصيّف فيه «٨١» .
[ذكر سلطان برگي]
وهو السلطان محمّد بن ايدين «٨٢» ، من خيار السلاطين، وكرمائهم وفضلائهم ولمّا بعث إليه المدرّس يعلّمه بخبري وجّه نائبه إليّ لآتيه، فأشار عليّ المدرّس أن أقيم حتّى يبعث عنّي ثانية، وكان المدرّس إذ ذاك قد خرجت برجله قرحة لا يستطيع الركوب بسببها وانقطع عن المدرسة، ثمّ إن السلطان بعث في طلبي ثانية فشقّ ذلك على المدرّس، فقال: أنا لا أستطيع الركوب ومن غرضي التوجّه معك لأقرر لدى السلطان ما يجب لك، ثم إنّه تحامل ولفّ على رجله خرقا وركب ولم يضع رجله في الركاب، وركبت أنا وأصحابي وصعدنا إلى الجبل في طريق قد نحتت وسوّيت فوصلنا إلى موضع السلطان عند الزوال، فنزلنا على نهر ماء تحت ظلال شجر الجوز، وصادفنا السلطان في قلق وشغل بال بسبب فرار ابنه الأصغر