وأخبرني الفقيه مدرك هذا أن رجلا من اهل تلمسان يعرف بابن شيخ اللبن كان قد أحسن إلى السلطان منسى موسى في صغره بسبعة مثاقيل وثلث، وهو يومئذ صبي غير معتبر، ثم اتفق أن جاء اليه في خصومة وهو سلطان، فعرفه ودعاه وأدناه منه حتى جلس معه على البنبي ثم قرّره على فعله معه، وقال للأمراء: ما جزاء من فعل فعله من الخير؟
فقالوا له: الحسنة بعشر أمثالها «٩٤» ، فأعطه سبعين مثقالا فأعطاه عند ذلك سبع مائة مثقال وكسوة ومبيدا وخدما وأمره أن لا ينقطع عنه، وأخبرني بهذه الحكاية أيضا ولد ابن شيخ اللّبن المذكور وهو من الطلبة يعلم القرآن بمالي.
[ذكر ما استحسنته من أفعال السودان وما استقبحته منها.]
فمن أفعالهم الحسنة قلة الظلم، فهم أبعد الناس عنه وسلطانهم لا يسامح أحدا في شيء منه، ومنها شمول الأمن في بلادهم فلا يخاف المسافر فيها ولا المقيم من سارق ولا غاصب، ومنها عدم تعرضهم لمال من يموت ببلادهم من البيضان ولو كان القناطير المقنطرة، إنما يتركونه بيد ثقة من البيضان حتى يأخذه مستحقه «٩٥» ، ومنها مواظبتهم للصّلوات والتزامهم لها في الجماعات، وضربهم أولادهم عليها، وإذا كان يوم الجمعة ولم يبكّر الإنسان إلى المسجد لم يجد أين يصلي لكثرة الزحام. ومن عادتهم أن يبعث كلّ إنسان غلامه بسجادته فيبسطها له بموضع يستحقه بها حتى يذهب إلى المسجد، وسجادتهم من سعف شجر يشبه النخل ولا ثمر له، ومنها لباسهم الثياب البيض الحسان يوم الجمعة ولو لم يكن لأحدهم إلا قميص خلق غسله ونظفه وشهد به الجمعة، ومنها عنايتهم بحفظ القرآن العظيم وهم يجعلون لأولادهم القيود إذا ظهر في حقهم التقصير في حفظه، فلا تفك عنهم حتى يحفظوه! ولقد دخلت على القاضي يوم العيد وأولاده مقيّدون، فقلت له: ألا تسرحهم؟ فقال:
لا أفعل حتى يحفظوا القرآن! ومررت يوما بشاب منهم حسن الصورة عليه ثياب فاخرة وفي رجله قيد ثقيل، فقلت لمن كان معي: ما فعل هذا؟ أقتل؟ ففهم عني الشاب وضحك وقيل لي:
إنما قيد حتى يحفظ القرآن! ومن مساوىء أفعالهم كون الخدم والجواري والبنات الصّغار يظهرن للناس عرايا باديات العورات، ولقد كنت أرى في رمضان كثيرا منهن على تلك