وبلاد السّرو التي يسكنها بجيلة وزهران وغامد، وسواهم من القبائل «٢٢٤» مخصبة كثيرة الأعناب وافرة الغلات، وأهلها فصحاء الألسن لهم صدق نية وحسن اعتقاد، وهم إذا طافوا بالكعبة يتطارحون عليها لائذين بجوارها، متعلقين بأستارها، داعين بأدعية تتصدع لرقتها القلوب، وتدمع العيون الجامدة، فترى الناس حولهم باسطي أيديهم مؤمّنين على أدعيتهم، ولا يتمكن لغيرهم الطواف معهم ولا استلام الحجر لتزاحمهم على ذلك، وهم شجعان أنجاد ولباسهم الجلود، وإذا وردوا مكّة هابت أعراب الطريق مقدمهم وتجنبوا اعتراضهم ومن صحبهم من الزوار حمد صحبتهم، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهم وأثنى عليهم خيرا، وقال: علموهم الصلاة يعلموكم الدعاء. وكفاهم شرفا دخولهم في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: الإيمان يماني والحكمة يمانية، وذكر أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يتحرّى وقت طوافهم ويدخل في جملتهم تبركا بدعائهم، وشأنهم عجيب كلّه وقد جاء في أثر: زاحموهم في الطّواف فإن الرحمة تنصبّ عليهم صبّا.
[ذكر عادتهم في ليلة النصف من شعبان]
وهذه الليلة من الليالي المعظمة عند أهل مكة يبادرون فيها إلى أعمال البر من الطواف والصلاة جماعات وأفذاذا والاعتمار، ويجتمعون في المسجد الحرام جماعات لكل جماعة إمام، يوقدون السرج والمصابيح والمشاعل ويقابل ذلك ضوء القمر يتلألأ الأرض والسماء نورا، ويصلون مائة ركعة يقرءون في كل ركعة بأم القرآن، وسورة الإخلاص يكررونهما عشرا، وبعض الناس يصلون في الحجر منفردين، وبعضهم يطوفون بالبيت الشريف وبعضهم قد خرجوا للاعتمار.
[ذكر عادتهم في شهر رمضان المعظم]
وإذا أهل هلال رمضان تضرب الطبول والدّبادب عند أمير مكة، ويقع الاحتفال بالمسجد الحرام من تجديد الحصر وتكثير الشمع والمشاعل حتى يتلألأ الحرام نورا ويسطع بهجة وإشراقا، وتتفرق الأئمة فرقا، وهم الشافعية، والحنفية، والحنبلية، والزيدية، وأما المالكية فيجتمعون على أربعة من القراء: يتناوبون القراءة ويوقدون الشمع ولا تبقى في الحرم زاوية