وبينما نحن بتلك الزاوية إذ دخل علينا أحد الفقراء فسلّم وعرضنا عليه الطّعام فأبى، وقال: إنما قصدت زيارتكم ولم يزل ليلته تلك ساجدا وراكعا، ثم صلّينا الصبح، واشتغلنا بالذكر، والفقير بركن الزاوية فجاء الشيخ بالطعام ودعاه، فلم يجبه فمضى إليه فوجده ميّتا، فصلينا عليه ودفناه رحمة الله عليه! ثم سافرت إلى المحلة الكبيرة ثم إلى نحرارية ثم إلى أبيار، ثم إلى دمنهور «٥٥» ، ثم إلى الإسكندرية «٥٦» فوجدت الوباء قد خف بها بعد أن بلغ عدد الموتى إلى ألف وثمانين في اليوم، ثم سافرت إلى القاهرة، وبلغني أن عدد الموتى أيام الوباء انتهى فيها إلى أحد وعشرين ألفا في اليوم! ووجدت جميع من كان بها من المشايخ الذين أعرفهم قد ماتوا رحمهم الله تعالى.
[ذكر سلطانها]
وكان ملك ديار مصر في هذا العهد الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاون، وبعد ذلك خلع عن الملك وولي أخوه الملك الصّالح «٥٧» .
ولما وصلت القاهرة وجدت قاضي القضاة عز الدين بن قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة «٥٨» قد توجه إلى مكة في ركب عظيم يسمونه الرّجبي لسفرهم في شهر رجب ...
وأخبرت أن الوباء لم يزل معهم حتى وصلوا عقبة أيلة «٥٩» فارتفع عنهم.
ثم سافرت من القاهرة، على بلاد الصعيد، وقد تقدم ذكرها. إلى عيذاب «٦٠» وركبت منها البحر فوصلت إلى جدة «٦١» ، ثم سافرت منها إلى مكة شرفها الله تعالى وكرمها