وكان ابن الفقيه متزوجا ببنت عمّ السلطان فكانت تتفقدنا بالطّعام وغيره، وأكلنا بعد عشرة أيام من وصولنا عصيدة تصنع من شيء يشبه القلقاس، ويسمى القافي، بقاف والف وفاء، وهي عندهم مفضلة على سائر الطعام «٦٥» ، فأصبحنا جميعا مرضى وكنا ستة فمات أحدنا وذهبت أنا لصلاة الصبح فغشي علي فيها، وطلبت من بعض المصريين دواء مسهلا فأتى بشيء يسمى بيدر، بفتح الباء الموحدة وتسكين الياء آخر الحروف وفتح الدال المهمل وراء، وهو عروق نبات، وخلطه بالأنيسون والسكّر ولتّه بالماء، فشربته وتقيأت ما أكلته مع صفراء كثيرة، وعافاني الله من الهلاك ولكني مرضت شهرين!
ذكر سلطان مالّي
وهو السلطان منسى سليمان «٦٦» ، ومنسى بفتح الميم وسكون نون وفتح السين المهمل، ومعناه السلطان، وسليمان اسمه، وهو ملك بخيل لا يرجى منه كبير عطاء، واتفق أني أقمت هذه المدة ولم أره، بسبب مرضي ثمّ إنّه صنع طعاما برسم عزاء مولانا أبي الحسن «٦٧» رضي الله عنه، واستدعى الأمراء والفقهاء والقاضي والخطيب، وحضرت معهم فاتوا بالرّبعات، وختم القرآن، ودعوا لمولانا أبي الحسن، رحمه الله، ودعوا لمنسى سليمان، ولما فرغ من ذلك تقدمت فسلمت على منسى سليمان، وأعلمه القاضي والخطيب وابن الفقيه بحالي، فأجابهم بلسانهم، فقالوا لي: يقول لك السلطان: أشكر الله، فقلت: الحمد لله والشكر على كل حال.
ذكر ضيافتهم التّافهة وتعظيمهم لها.
ولما انصرفت بعث إليّ الضيافة، فوجهت إلى دار القاضي وبعث القاضي بها مع رجاله إلى دار ابن الفقيه، فخرج ابن الفقيه من داره مسرعا حافي القدمين فدخل عليّ وقال:
جاءك قماش السلطان وهديته! فقمت وظننت أنها الخلع والاموال، فإذا هي ثلاثة أقراص من الخبز وقطعة لحم بقري مقلو بالغرتي، وقرعة فيها لبن رائب، فعندما رأيتها ضحكت، وطال تعجبي من ضعف عقولهم وتعظيمهم للشيء الحقير.