وعادته أنّه متى فعل ذلك مع أحد قلّما يتخلّص، فكان أوّل يوم من ملازمتهم لي يوم الجمعة فألهمني الله تعالى إلى تلاوة قوله: حسبنا الله ونعم الوكيل ١٣»
، فقرأتها ذلك اليوم ثلاثة وثلاثين ألف مرّة، وبتّ بالمشور وواصلت إلى خمسة أيّام، في كلّ يوم منها اختم القرآن وافطر على الماء خاصّة، ثمّ افطرت بعد خمس وواصلت أربعا وتخلّصت بعد قتل الشيخ والحمد لله تعالى!
[ذكر انقباضي عن الخدمة وخروجي عن الدنيا.]
ولمّا كان بعد مدّة انقبضت عن الخدمة ولازمت الشيخ الإمام العالم العابد الزاهد الخاشع الورع فريد الدهر ووحيد العصر كمال الدين عبد الله الغاريّ وكان من الأولياء، وله كرامات قد ذكرت منها ما شاهدته عند ذكر اسمه «١٣٥» ، وانقطعت إلى خدمة هذا الشيخ ووهبت ما عندي للفقراء والمساكين! وكان الشيخ يواصل عشرة أيّام وربّما واصل عشرين، فكنت أحبّ أن أواصل فكان ينهاني ويأمرني بالرفق على نفسي في العبادة ويقول لي: إنّ المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، (١٣٥) وظهر لي من نفسي تكاسل بسبب شيء بقى معي، فخرجت عن جميع ما عندي من قليل وكثير وأعطيت ثياب ظهري لفقير ولبست ثيابه، ولزمت هذا الشيخ خمسة أشهر والسلطان اذ ذاك غائب ببلاد السند.
ذكر بعث السلطان عنّي وإبايتي عن الرجوع إلى الخدمة واجتهادي في العبادة.
ولمّا بلغ السلطان خبر خروجي عن الدنيا استدعاني، وهو يومئذ بسيوستان «١٣٦» ، فدخلت عليه في زيّ الفقراء، فكلّمني أحسن كلام وألطفه، وأراد منّي الرجوع إلى الخدمة فأبيت وطلبت منه الإذن في السفر إلى الحجاز، فأذن لي فيه وانصرفت عنه، ونزلت بزاوية