للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيدخل منه القرّاء يقرءون بالأصوات الحسان وليس في معمور الارض أحسن أصواتا بالقرآن من أهل شيراز ويقوم أهل الدار بالتّربة ويفرشونها ويوقدون السّرج بها فكأنّ الميت لم يبرح، وذكر لي أنهم يطبخون في كلّ يوم نصيب الميت من الطعام ويتصدّقون به عنه.

[حكاية [الفقيه الجواد]]

مررت يوما ببعض أسواق مدينة شيراز، فرأيت بها مسجدا متقن البناء جميل الفرش، وفيه مصاحف موضوعة في خرايط حرير موضوعة فوق كرسي، وفي الجهة الشمالية من المسجد زاوية فيها شباك مفتّح إلى جهة السوق، وهنالك شيخ جميل الهيئة واللّباس، وبين يديه مصحف يقرأ فيه، فسلمت عليه وجلست إليه فسألني عن مقدمي، فاخبرته، وسألته عن شأن هذا المسجد، فأخبرني أنه هو الذي عمّره ووقف عليه أوقافا كثيرة للقرّاء وسواهم وان تلك الزاوية التي جلست إليه فيها هي موضع قبره إن قضى الله موته بتلك المدينة، ثم رفع بساطا كان تحته والقبر مغطّى عليه الواح خشب، وأراني صندوقا كان بازائه، فقال: في هذا الصندوق كفني وحنوطي ودراهم كنت استاجرت بها نفسي في حفر بئر لرجل صالح فدفع لي هذه الدراهم فتركتها لتكون نفقة مواراتي، وما فضل منها يتصدّق بها، فعجبت من شانه وأردت الانصراف فحلف عليّ وأضافني بذلك الموضع.

ومن المشاهد بخارج شيراز قبر الشيخ الصالح المعروف بالسعدي «١٥٧» وكان أشعر أهل زمانه باللسان الفارسي، وربّما ألمع في كلامه بالعربي، وله زاوية كان قد عمرها بذلك الموضع حسنة، بداخلها بستان مليح، وهي بقرب رأس النهر الكبير المعروف بركن آباد، وقد صنع الشيخ هنالك أحواضا صغارا من المرمر لغسل الثياب، فيخرج الناس من المدينة لزيارته ويأكلون من سماطه ويغسلون ثيابهم بذلك النهر وينصرفون، وكذلك فعلت عنده رحمه الله، وبمقربة من هذه الزاوية زاوية أخرى تتّصل بها مدرسة مبنيتان على قبر شمس الدين السّمناني «١٥٨» وكان من الامراء الفقهاء، ودفن هنالك بوصيّة منه بذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>