للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكنت أتردد إليه فأرى دهليز قصره الذي يسكن به مظلما لا سراج به. ورأيته مرارا يجمع الاعواد الصغار من الحطب بداخل بستانه، وقد ملأ منها مخازن، فكلمته في ذلك، فقال لي: يحتاج إليها.

وكان يخدم أصحابه ومماليكه وفتيانه في خدمة البستان وبنائه ويقول: لا أرضى أن ياكلوا طعامي وهم لا يخدمون. وكان عليّ مرة دين، فطلبت به فقال لي في بعض الأيام:

والله قد هممت أن أؤدى عنك دينك فلم تسمح نفسي بذلك ولا ساعدتني عليه!!

[حكاية [عن شحه]]

حدّثني مرة قال: خرجت من بغداد وأنا رابع أربعة: أحدهم محمد بن أبي الشرفي صاحبه، ونحن على أقدامنا ولا زاد عندنا، فنزلنا على عين ماء ببعض القرى فوجد أحدنا في العين درهما، فقلنا: وما نصنع بدرهم؟ فاتفقنا على أن نشتري به خبزا فبعثنا أحدنا لشرائه، فأبى الخباز بتلك القرية أن يبيع الخبز وحده وإنما يبيع خبزا بقيراط وتبنا بقيراط، فاشترى منه الخبز والتبن فطرحنا التّبن إذ لا دابة لنا تأكله، وقسمنا الخبز لقمة لقمة! وقد انتهى حالي اليوم إلى ما تراه، فقلت له: ينبغي أن تحمد الله على ما أولاك وتؤثر على الفقراء والمساكين وتتصدق، فقال: لا أستطيع ذلك! ولم أره قط يجود بشيء ولا يفعل معروفا، ونعوذ بالله من الشح!

[حكاية]

كنت يوما ببغداد بعد عودتي من بلاد الهند وأنا قاعد على باب المدرسة المستنصرية التي بناها جده أمير المؤمنين المستنصر «٥٨» ، رضي الله عنه، فرأيت شابا. ضعيف الحال يشتد خلف رجل خارج عن المدرسة، فقال لي بعض الطلبة: هذا الشاب الذي تراه هو ابن الأمير محمد حفيد الخليفة المستنصر الذي ببلاد الهند، فدعوته، فقلت له، إني قدمت من بلاد الهند وأني أعرفك بخبر أبيك!! فقال: قد جاءني خبره في هذه الأيام، ومضى يشتد خلف الرجل، فسألت عن الرجل فقيل لي: هو الناظر في الحبس، وهذا الشاب هو إمام ببعض المساجد، وله على ذلك أجرة درهم واحد في اليوم، وهو يطلب أجرته من الرجل، فطال عجبي منه، والله لو بعث إليه جوهرة من الجواهر التي في الخلع الواصلة إليه من السلطان لأغناه بها، ونعوذ بالله من مثل هذه الحال.

<<  <  ج: ص:  >  >>