الله بالغة، وتصديقا لدعوة خليله عليه السلام، والشوق يحضرها وهي نائية، ويمثلها وهي غائبة، ويهون على قاصدها ما يلقاه من المشاقّ ويعانيه من العناء، وكم من ضعيف يرى الموت عيّانا دونها، ويشاهد التّلف في طريقها، فإذا جمع الله بها شمله تلقاها مسرورا مستبشرا كأنه لم يذق لها مرارة، ولا كابد محنة ولا نصبا، إنه لأمر إلاهي، وصنع ربّاني، ودلالة لا يشوبها لبس ولا تغشاها شبهة، ولا يطرقها تمويه، تقوى بصيرة المستبصر وتسدد فكرة المتفكر «١٠٧» . ومن رزقه الله تعالى الحلول بتلك الأرجاء والمثول بذلك الفناء، فقد أنعم الله عليه النعمة الكبرى، وخوّله خير الدارين: الدنيا والأخرى، فحق عليه أن يكثر الشكر على ما خوله ويديم الحمد على ما أولاه، جعلنا الله تعالى ممّن قبلت زيارته وربحت في قصدها تجارته، وكتبت في سبيل الله آثاره، ومحيت بالقبول أوزاره بمنّه وكرمه.
[ذكر مدينة مكة المعظمة]
وهي «١٠٨» مدينة كبيرة متصلة البنيان مستطيلة في بطن واد تحفّ به الجبال فلا يراها قاصدها حتى يصل إليها وتلك الجبال المطلة عليه ليست بمفرطة الشموخ، والأخشبان «١٠٩» من جبالها: هما جبل أبي قبيس وهو في جهة الجنوب منها، وجبل قعيقعان وهو في جهة الغرب «١١٠» . منها وفي الشمال منها الجبل الأحمر، ومن جهة أبي قبيس أجياد الأكبر، وأجياد الأصغر وهما شعبان «١١١» والخندمة وهي جبل وستذكر، والمناسك كلّها منى