ثم رحلنا من عسفان ونزلنا بطن مرّ ويسمى أيضا مرّ الظهران «١٠٣» ، وهو واد مخصب كثير النخل ذو عين فوارة سيالة تسقى تلك النّاحية، ومن هذا الوادي تجلب الفواكه والخضر إلى مكة شرفها الله تعالى.
ثم أدلجنا من هذا الوادي المبارك والنفوس مستبشرة ببلوغ أمالها، مسرورة بحالها ومآلها، فوصلنا عند الصباح إلى البلد الأمين مكة شرفها الله تعالى فوردنا منها على حرم الله تعالى ومبوّأ خليله ابراهيم، ومبعث صفيه محمد صلى الله عليه وسلم، ودخلنا البيت الحرام الشريف الذي من دخله كان آمنا. من باب بني شيبة «١٠٤» ، وشاهدنا الكعبة الشريفة زادها الله تعظيما وهي كالعروس تجلى على منصة الجلال، وترفل في برود الجمال، محفوفة بوفود الرحمن، موصلة إلى جنّة الرّضوان، وطفنا بها طواف «١٠٥» القدوم واستلمنا الحجر الكريم، وصلّينا ركعتين بمقام ابراهيم، وتعلّقنا بأستار الكعبة عند الملتزم، بين الباب والحجر الأسود حيث يستجاب الدعاء، وشربنا من ماء زمزم، وهو لما شرب له، حسبما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليما، ثم سعينا بين الصفا والمروة ونزلنا هنالك بدار بمقربة من باب إبراهيم، والحمد لله الذي شرفنا بالوفادة على هذا البيت الكريم وجعلنا ممن بلغته دعوة الخليل عليه الصلاة والتسليم، ومتّع أعيننا بمشاهدة الكعبة الشريفة والمسجد العظيم والحجر «١٠٦» والحجر الكريم، وزمزم والحطيم.
ومن عجائب صنع الله تعالى أنّه طبع القلوب على النزوع إلى هذه المشاهد المنيفة، والشوق إلى المثول بمعاهدها الشريفة، وجعل حبّها متمكنا في القلوب فلا يحلّها أحد إلا أخذت بمجامع قلبه ولا يفارقها إلّا أسفا لفراقها، متولّها لبعاده عنها، شديد الحنين إليها، ناويا لتكرار الوفادة عليها، فأرضها المباركة نصب الأعين ومحبتها حشو القلوب حكمة من