وكان ذلك قبل خروج القاضي جلال وخلافه، وكان تاج الدين بن الكولميّ «٧٢» من كبار التجار فوفد على السلطان من أرض التّرك بهدايا جليلة منها المماليك والجمال والمتاع والسلاح والثياب، فأعجب السلطان فعله وأعطاه اثنى عشر لكّا، ويذكر أنّه لم تكن قيمة هديّته الّا لكّا واحدا، وولّاه مدينة كنباية، وكانت لنظر الملك مقبل نائب الوزير، فوصل إليها وبعث المراكب إلى بلاد المليبار وجزيرة سيلان وغيرها، وجاءته التحف والهدايا في المراكب وضخمت حاله، ولما عزم على أن يبعث أموال تلك الجهات إلى الحضرة بعث الملك مقبل إلى ابن الكولميّ أن يبعث ما عنده من الهدايا والأموال مع هدايا تلك الجهات على العادة، فامتنع ابن الكولمي من ذلك، وقال: أنا أحملها بنفسي أو أبعثها مع خدّامي ولا حكم لنائب الوزير عليّ ولا للوزير، واغترّ بما أولاه السلطان من الكرامة والعطيّة فكتب مقبل إلى الوزير بذلك فوقّع له الوزير على ظهر كتابه: إن كنت عاجزا عن بلادنا فاتركها وارجع الينا، فلمّا بلغه الجواب تجهّز في عسكره ومماليكه والتقيا بظاهر كنباية فانهزم ابن الكولميّ، وقتل جماعة من الفريقين واستخفى ابن الكولميّ في دار الناخوذة إلياس أحد كبراء التجار.
ودخل مقبل المدينة فضرب رقاب أمراء عسكر ابن الكولميّ وبعث له الأمان على أن ياخذ ماله المختصّ به ويترك مال السلطان وهديّته ومجبي البلد، وبعث مقبل بذلك كلّه مع خدّامه إلى السلطان وكتب شاكيا من ابن الكولميّ، وكتب ابن الكولميّ شاكيا منه، فبعث السلطان ملك الحكماء ليتنصّف بينهما، وبإثر ذلك كان خروج القاضي جلال الدين فنهب مال ابن الكولميّ، وفرّ ابن الكولميّ في بعض مماليكه ولحق بالسلطان.
[ذكر الغلاء الواقع بأرض الهند]
وفي مدّة مغيب السلطان عن حضرته إذ خرج بقصد بلاد المعبر، وقع الغلاء واشتدّ الأمر «٧٣» وانتهى المنّ إلى ستّين درهما، ثمّ زاد على ذلك، وضاقت الأحوال وعظم الخطب ولقد خرجت مرّة إلى لقاء الوزير فرأيت ثلاث نسوة يقطعن قطعا من جلد فرس مات منذ أشهر ويأكلنه وكانت الجلود تطبخ وتباع في الأسواق، وكان الناس إذا ذبحت البقر أخذوا دماءها فأكلوها!