الشاكي فحسن، وإلا أخذه الثاني أو الثالث أو الرابع، وإن لم ياخذوه منه مضى به إلى صدر الجهان قاضي المماليك «٨٢» ، فإن أخذه منه وإلا شكا إلى السلطان، فإن صح عنده أنه مضى به إلى أحد منهم فلم ياخذه منه أدبه، وكلما يجتمع من القصص في سائر الأيام يطالع به السلطان بعد العشاء الآخرة.
[ذكر إطعامه في الغلاء]
ولما استولى القحط على بلاد الهند والسّند «٨٣» واشتد الغلاء حتى بلغ من القمح إلى ستة دنانير «٨٤» ، أمر السلطان أن يعطي لجميع أهل دهلى نفقة ستة أشهر من المخزن بحساب رطل ونصف من أرطال المغرب «٨٥» لكل إنسان في اليوم صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا وخرج الفقهاء والقضاء يكتبون الأزمّة بأهل الحارات، ويحضرون الناس ويعطى لكل واحد عولة ستة أشهر يقتات بها.
[ذكر فتكات هذا السلطان وما نقم من أفعاله]
وكان على ما قدمنا من تواضعه وإنصافه ورفقه بالمساكين وكرمه الخارق للعادة كثير التجاسر على إراقة الدماء لا يخلو بابه عن مقتول إلا في النادر، وكنت كثيرا ما أرى الناس يقتلون على بابه ويطرحون هنالك، ولقد جئت يوما فنفر بي الفرس، ونظرت إلى قطعة بيضاء في الأرض فقلت ما هذه؟ فقال بعض أصحابي: هي صدر رجل قطع ثلاث قطع! وكان يعاقب على الصغيرة والكبيرة ولا يحترم أحدا من أهل العلم والصلاح والشرف، وفي كل يوم يرد على المشور من المسلسلين والمغلولين والمقيدين مئون، فمن كان للقتل أو للعذاب عذب أو للضرب ضرب، وعادته أن يؤتى كلّ يوم بجميع من في سجنه من الناس إلى المشور ما عدا يوم الجمعة فإنهم لا يخرجون فيه وهو يوم راحتهم يتنظفون فيه ويستريحون أعاذنا الله من البلاء.