اليمن ساكنا بها قديما وهي كبيرة حسنة العمارة يسكنها طائفتان من العرب وهم بنو حرام وبنو كنانة «١٧» ، وجامع هذه المدينة من أحسن الجوامع وفيه جماعة من الفقراء المنقطعين إلى العبادة منهم الشيخ الصالح العابد الزاهد قبولة الهنديّ من كبار الصالحين، لباسه مرقّعة وقلنوسة لبد، وله خلوة متّصلة بالمسجد فرشها الرمل، لا حصير بها ولا بساط، ولم أر بها حين لقاءي له شيئا الا إبريق الوضوء، وسفرة من خوص النخيل فيها كسر شعير يابسة، وصحيفة فيها ملح وصعتر، فإذا جاءه أحد قدّم بين يديه ذلك، ويسمع به أصحابه فيأتي كلّ واحد منهم بما حضره من غير تكلّف شيء وإذا صلّوا العصر اجتمعوا للذّكر بين يدي الشيخ إلى صلاة المغرب وإذا صلّوا المغرب أخذ كلّ واحد منهم موقفه للتنفّل فلا يزالون كذلك إلى صلاة العشاء الآخرة فإذا صلوا العشاء الآخرة أقاموا على الذّكر إلى ثلث الليل ثم انصرفوا ويعودون في أوّل الثلث الثالث إلى المسجد، فيتهجّدون إلى الصبح ثم يذكرون إلى أن تحين صلاة الإشراق فينصرفون بعد صلاتها.، منهم من يقيم إلى أن يصلّي صلاة الضّحى بالمسجد، وهذا دأبهم أبدا ولقد كنت أردت الاقامة معهم باقي عمري فلم أوفق لذلك والله تعالى يتداركنا بلطفه وتوفيقه!
[ذكر سلطان حلي]
وسلطانها عامر بن ذؤيب من بني كنانة «١٨» وهو من الفضلاء الأدباء الشعراء صحبته من مكّة إلى جدّة وكان حجّ في سنة ثلاثين، ولمّا قدمت مدينته أنزلني وأكرمني وأقمت في ضيافته أيّاما وركبت البحر في مركب له فوصلت إلى بلدة السرجة «١٩» ، وضبط اسمها بفتح السين المهمل واسكان الرّاء وفتح الجيم، بلدة صغيرة يسكنها جماعة من أولاد