عشر، فطلبت منه من يوصلني إليها فبعث معي من أوصلني إليها وردّني إليه ووصلتها في رمضان فلمّا صلينا المغرب أفطرنا وأذّن العشاء في أثناء إفطارنا فصلّينا وصلينا التراويح والشفع والوتر وطلع الفجر إثر ذلك، وكذلك يقصر النهار بها في فصل قصره أيضا وأقمت بها ثلاثا.
[ذكر أرض الظلمة]
وكنت أردت الدخول إلى أرض الظلمة والدخول اليها من بلغار، وبينهما مسيرة أربعين يوما «٥٢» ، ثم أضربت عن ذلك لعظم المؤنة فيه وقلة الجدوى، والسفر إليها لا يكون إلّا في عجلات صغار، تجرّها كلاب كبار، فإن تلك المفازة فيها الجليد فلا يثبت قدم الآدميّ ولا حافر الدابّة فيها، والكلاب لها الأظفار فتثبت أقدامها في الجليد، ولا يدخلها إلّا الأقوياء من التجار الذين يكون لأحدهم مائة عجلة أو نحوها موقرة بطعامه وشرابه وحطبه «٥٣» فإنّها لا شجر فيها ولا حجر ولا مدر. والدليل بتلك الأرض هو الكلب «٥٤» الذي قد سار فيها مرارا كثيرة، وتنتهي قيمته إلى ألف دينار ونحوها، وتربط العربة إلى عنقه ويقرن معه ثلاثة من الكلاب ويكون هو المقدّم وتتبعه سائر الكلاب بالعربات، فإذا وقف وقفت وهذا الكلب لا يضربه صاحبه ولا ينهره، وإذا حضر الطعام أطعم الكلاب أوّلا قبل بني آدم والّا غضب الكلب وفرّ وترك صاحبه للتلف! فإذا كملت للمسافرين بهذه الفلاة أربعون مرحلة نزلوا عند الظّلمة وترك كلّ واحد منهم ما جاء به من المتاع هنالك، وعادوا إلى منزلهم المعتاد فإذا كان من الغد عادوا لتفقّد متاعهم فيجدون بإزائه من السمّور والسّنجاب والقاقم، فإن أرضى صاحب المتاع ما وجده إزاء متاعه أخذوه وإن لم يرضه تركه فيزيدونه، وربّما رفعوا متاعهم أعني أهل الظلمة، وتركوا متاع التجار، وهكذا بيعهم وشراؤهم ولا يعلم الذين يتوجهون إلى هنالك من يبايعهم ويشاريهم أمن الجنّ أم من الإنس ولا يرون أحدا!