وماهي: السمك وهو يشبه الحوت المسمّى عندنا بتازّرت وهم يقطّعونه قطعا ويشوونه ويعطون كلّ من في المركب قطعة لا يفضّلون أحدا على أحد، ولا صاحب المركب ولا سواه، ويأكلونه بالتمر وكان عندي خبز وكعك استصحبتهما من ظفار فلمّا نفدا كنت أقتات من تلك السمك في جملتهم، وعيّدنا عيد الأضحى «١٠٣» على ظهر البحر وهبّت علينا في يومه ريح عاصف بعد طلوع الفجر ودامت إلى طلوع الشمس وكادت تغرّقنا.
[كرامة [للحاج خضر]]
وكان معنا في المركب حاجّ من أهل الهند يسمّى بخضر، ويدعى بمولانا لأنّه يحفظ القرآن ويحسن الكتابة، فلمّا رأى هول البحر لفّ رأسه بعباءة كانت له وتناوم، فلمّا فرّج الله ما نزل بنا، قلت له يا مولانا خضر، كيف رأيت؟ قال: قد كنت عند الهول أفتح عيني أنظر هل أرى الملائكة الذين يقبضون الأرواح جاءوا فلا أراهم، فأقول: الحمد لله، لو كان الغرق لأتوا لقبض الأرواح، ثمّ اغلق عيني، ثمّ أفتحها فأنظر كذلك إلى أن فرّج الله عنّا! وكان قد تقدّمنا مركب لبعض التجار فغرق ولم ينج منه الا رجل واحد خرج عوما بعد جهد شديد، وأكلت في ذلك المركب نوعا من الطعام لم آكله قبله ولا بعده، صنعه بعض تجار عمان وهو من الذرة، طبخها من غير طحن وصبّ عليها السّيلان وهو عسل التمر وأكلناه.
ثم وصلنا إلى جزيرة مصيرة «١٠٤» التي منها صاحب المركب الذي كنّا فيه وهي على لفظ مصير وزيادة تاء التأنيث، جزيرة كبيرة لا عيش لأهلها الّا من السمك ولم ننزل إليها لبعد مرساها عن الساحل، وكنت قد كرهتهم لمّا رأيتهم ياكلون الطّير من غير ذكاة، وأقمنا بها يوما، وتوجّه صاحب المركب فيه إلى داره وعاد إلينا، ثمّ سرنا يوما وليلة فوصلنا إلى مرسى قرية كبيرة على ساحل البحر تعرف بصور «١٠٥» ، ورأينا منها مدينة قلهات في سفح