ثم سافرنا من هذه البلدة إلى بلدة سبرتا «٢٦» وضبط اسمها بفتح السين المهمل والباء الموحدة واسكان الراء وفتح التاء المعلوّة وألف، وهي بلدة حسنة العمارة والأسواق كثيرة البساتين والأنهار، لها قلعة في جبل شامخ وصلناها بالعشيّ، ونزلنا عند قاضيها، وسافرنا منها إلى مدينة أكريدور «٢٧» ، وضبط اسمها بفتح الهمزة وسكون الكاف وكسر الراء وياء مدّ ودال مهمل مضموم وواو مدّ وراء، مدينة عظيمة كثيرة العمارة، حسنة الأسواق ذات أنهار وأشجار وبساتين ولها بحيرة عذبة الماء يسافر المركب فيها يومين إلى أقشهر وبقشهر وغيرهما من البلاد والقرى «٢٨» ونزلنا منها بمدرسة تقابل الجامع الأعظم بها المدرس العالم الحاجّ المجاور الفاضل مصلح الدين، قرأ بالدّيار المصرّيّة والشام وسكن العراق مدّة وهو فصيح اللسان، حسن البيان، أطروفة من طرف الزمان، أكرمنا غاية الاكرام، وقام بحقّنا أحسن قيام.
[ذكر سلطان أكريدور]
وسلطانها أبو إسحاق بك بن الدّنداربك «٢٩» ، من كبار سلاطين تلك البلاد سكن ديار مصر أيّام أبيه، وحج، وله سير حسنة، ومن عادته أنه يأتي كل يوم إلى صلاة العصر بالمسجد الجامع فإذا قضيت صلاة العصر استند إلى جدار القبلة وقعد القرّاء بين يديه على مصطبة خشب عالية فقرأوا سورة الفتح والملك وعمّ، بأصوات حسان فعّالة في النفوس تخشع لها القلوب وتقشعرّ الجلود وتدمع العيون، ثم ينصرف إلى داره، وأظلّنا عنده شهر رمضان «٣٠» فكان يقعد في كلّ ليلة منه على فراش لاصق بالأرض من غير سرير، ويستند