وهذه المدينة من أحسن المدن في إتقان البناء وعمارة المساجد، وسبب ذلك أن اكثر سكانها التّجار الغرباء فهم أبدا يبنون بها الديار الحسنة والمساجد العجيبة ويتنافسون في ذلك، ومن الديار العظيمة بها دار الشريف السامريّ الذي اتفقت لي معه قضية الحلواء وكذّبه ملك النّدماء «٦٤» ، ولم أر قط أضخم من الخشب الذي رأيته بهذه الدار، وبابها كأنه باب مدينة، والى جانبها مسجد عظيم يعرف باسمه ومنها دار ملك التجار الكازروني، وإلى جانبها مسجده، ومنها دار التاجر شمس الدين كلاه دوز ومعناه خياط الشواشي.
[حكاية [الثلاثة المخالفين]]
ولما وقع ما قدمناه من مخالفة القاضي جلال الأفغاني أراد شمس الدين المذكور والناخوذة إلياس، وكان من كبار أهل هذه المدينة، وملك الحكماء الذي تقدم ذكره «٦٥» ، على ان يمتنعوا منه بهذه المدينة، وشرعوا في حفر خندق عليها إذ لا سور لها فتغلب عليهم ودخلها واختفى الثلاثة المذكورون في دار واحدة وخافوا أن يتطلع عليهم فاتفقوا على أن يقتلوا أنفسهم، فضرب كل واحد منهم صاحبه بقتّارة، وقد ذكرنا صفتها «٦٦» ، فمات اثنان منهم، ولم يمت ملك الحكماء.
وكان من كبار التجار أيضا بها نجم الدين الجيلاني وكان حسن الصورة كثير المال وبنى بها دارا عظيمة ومسجدا ثم بعث السلطان عنه وأمّره عليها وأعطاه المراتب «٦٧» . فكان ذلك سبب تلف نفسه وماله.
وكان أمير كنباية حين وصولنا اليها مقبل التلنكي، وهو كبير المنزلة عند السلطان «٦٨» . وكان في صحبته الشيخ زاده الأصبهاني نائبا عنه في جميع أموره، وهذا الشيخ له أموال عظيمة وعنده معرفة بأمور السلطنة، ولا يزال يبعث الأموال إلى بلاده ويتحيل في الفرار، وبلغ خبره إلى السلطان وذكر عنه أنه يروم الهروب فكتب إلى مقبل أن يبعثه على البريد وأحضر بين يدي السلطان ووكّل به، والعادة عنده أنه متى وكّل بأحد فقلّما ينجو! فاتفق هذا الشيخ مع الموكّل به على مال يعطيه إياه وهربا جميعا، وذكر لي أحد الثقات أنه رآه في ركن مسجد بمدينة قلهات «٦٩» ، وأنه وصل بعد ذلك إلى بلاده وحصل على أمواله وأمن مما كان يخافه.