ثم سافرنا من هذه المدينة إلى مدينة مغنيسيّة «٩٩» وضبط اسمها بميم مفتوحة وغين معجمة مسكنة ونون مكسورة وياء مدّ وسين مهملة مكسورة وياء آخر الحروف مشدّده، نزلنا بها عشيّ يوم عرفة «١٠٠» بزاوية رجل من الفتيان وهي مدينة كبيرة حسنة في سفح جبل وبسيطها كثير الأنهار والعيون والبساتين والفواكه.
ذكر سلطان مغنيسيّة
وسلطانها يسمى صاروخان «١٠١» ، ولمّا وصلنا إلى هذه البلدة وجدناه بتربة ولده، وكان قد توفّى منذ أشهر فكان هو وأم الولد ليلة العيد «١٠٢» وصبيحتها بتربته، والولد قد صبّر وجعل في تابوت خشب مغشى بالحديد المقزدر وعلّق في قبّة لا سقف لها «١٠٣» لأن تذهب رائحته، وحينئذ تسقّف القبّة ويجعل تابوته ظاهرا على وجه الارض، وتجعل ثيابه عليه، وهكذا رأيت غيره أيضا من الملوك فعل. وسلّمنا عليه بذلك الموضع وصلّينا معه صلاة العيد، وعدنا إلى الزاوية فأخذ الغلام الذي كان لي أفراسنا وتوجّه مع غلام لبعض الأصحاب برسم سقيها، فأبطأ، ثم لمّا كان العشيّ لم يظهر لهما أثر، وكان بهذه المدينة الفقيه المدرّس الفاضل مصلح الدين، فركب معي إلى السلطان وأعلمناه بذلك فبعث في طلبهما فلم يوجدا واشتغل الناس في عيدهم وقصدا مدينة للكفار على ساحل البحر تسمّى فوجة «١٠٤» على مسيرة يوم من مغنيسيّة، وهؤلاء الكفار في بلد حصين، وهم يبعثون هديّة في كلّ سنة إلى سلطان مغنيسيّة فيقنع منهم بها لحصانة بلدهم، فلمّا كان بعد الظهر أتى بهما بعض الأتراك وبالأفراس وذكروا أنّهما اجتازا بهم عشيّة النهار، فانكروا أمرهما واشتدّوا عليهما حتى أقرّا بما عزما عليه من الفرار!