وفي القطعة الصحيحة من الحجر الاسود مما يلي جانبه الموالي ليمين مستلمة نقطة بيضاء صغيرة مشرقة كأنها خال في تلك الصفحة البهية، وترى الناس إذا طافوا بها يتساقط بعضهم على بعض ازدحاما على تقبيله، فقلما يتمكن أحد من ذلك إلا بعد المزاحمة الشديدة «١٢٨» ، وكذلك يصنعون عند دخول البيت الكريم، ومن عند الحجر الأسود مبتدأ الطواف، وهو أول الاركان التي يلقاها الطائف، فإذا استلمه تقهقر عنه قليلا وجعل الكعبة الشريفة عن يساره ومضى في طوافه ثم يلقى بعده الركن العراقي وهو إلى جهة الشمال ثم يلقى الركن الشامي وهو إلى جهة الغرب ثم يلقى الركن اليماني وهو إلى جهة الجنوب، ثم يعود إلى الحجر الأسود وهو إلى جهة الشرق.
[ذكر المقام الكريم]
إعلم أن بين باب الكعبة شرّفها الله وبين الركن العراقي موضعا «١٢٩» طوله اثنا عشر شبرا وعرضه نحو النصف من ذلك وارتفاعه نحو شبرين، وهو موضع المقام في مدّة إبراهيم عليه السلام، ثم صرفه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الموضع الذي هو الآن مصلّى، وبقى ذلك الموضع شبه الحوض، وإليه ينصبّ ماء البيت الكريم إذا غسل «١٣٠» وهو موضع مبارك يزدحم الناس للصلاة فيه.
وموضع المقام الكريم يقابل ما بين الركن العراقي والباب الكريم، وهو إلى الباب أميل وعليه قبّة تحتها شباك حديد متجاف عن المقام الكريم قدر ما تصل أصابع الإنسان إذا أدخل يده من ذلك الشباك إلى الصندوق، والشباك مقفل، ومن ورائه موضع محوز قد جعل مصلّى لركعتي الطواف، وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما لمّا دخل المسجد أتى البيت فطاف به سبعا ثم أتى المقام، فقرأ: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى «١٣١» ، وركع خلفه ركعتين، وخلف المقام مصلّى إمام الشافعية في الحطيم الذي هنالك.