كان باللاذقية رجل يعرف بابن المؤيد هجّاء لا يسلم أحد من لسانه، متهم في دينه مستخف، يتكلم بالقبائح من الإلحاد فعرضت له حاجة عند طيلان ملك الأمراء فلم يقضها له، فقصد مصر وتقول عليه أمورا شنيعة، وعاد إلى اللاذقية، فكتب طيلان إلى القاضي جلال الدين أن يتحيّل في قتله بوجه شرعي، فدعاه القاضي إلى منزله وباحثه، واستخرج كامن إلحاده، فتكلم بعظائم أيسرها يوجب القتل، وقد أعد القاضي الشهود خلف الحجاب، فكتبوا عقدا بمقاله، وثبت عند القاضي، وسجن وأعلم ملك الأمراء بقضيته، ثم أخرج من السجن وخنق على بابه.
ثم لم يلبث ملك الأمراء طيلان أن عزل عن طرابلس ووليها الحاج قرطية «١٤٥» ، من كبار الأمراء وممن تقدّمت له فيها الولاية، وبينه وبين طيلان عداوة فجعل يتبع سقطاته وقام لديه إخوة ابن المؤيد شاكين القاضي جلال الدين، فأمر به وبالشهود الذين شهدوا على ابن المؤيد فأحضروا، وأمر بخنقهم، وأخرجوا إلى ظاهر المدينة حيث يخنق الناس، وأجلس كل واحد منهم تحت مختنقه ونزعت عمائمهم، ومن عادة أمراء تلك البلاد أنه متى أمر أحدهم بقتل أحد من الناس يمرّ الحاكم من مجلس الأمير سبقا على فرسه إلى حيث المأمور بقتله، ثم يعود إلى الأمير فيكرر استئذانه يفعل ذلك ثلاثا، فإذا كان بعد الثلاث أنفذ الأمر، فلما فعل الحاكم ذلك قامت الامراء في المرة الثالثة وكشفوا رؤوسهم، وقالوا: أيها الامير هذه سبة في الاسلام! يقتل القاضي والشهود! فقبل الأمير شفاعتهم وخلى سبيلهم وبخارج اللاذقية الدّير المعروف بدير الفاروص «١٤٦» وهو أعظم دير بالشام ومصر يسكنه الرّهبان ويقصده النصارى من الآفاق، وكل من نزل به