وبلغ غرناطة، واجتمع بفقهائها في دعوة، وكان يحدثهم عن رحلته في يومه وليلته فاستغربوا أخباره واستبعدوها. وقال البلوي في رحلته، في ترجمة ابن بطوطة، إنه لما عاد من رحلته ومن لقيه بها من الملوك، وأن ملك الهند صاهره وقلده القضاء بمدينته العظمى، وحصل من الأموال عددا كثيرا، زيفوه وكذبوه، ثم عاد لبر العدوة ودخل مدينة فاس أيام السلطان أبي عنان فارس ابن أبي الحسن المريني، ولم يجتمع به، ثم توجه للصحراء ثم للسودان، يحسب أن ملوكه كملوك الهند وأرضه مثلها، فخفق سعيه ووجد الأرض غير الأرض، والناس غير الناس، وبلغ خبره للسلطان أبي عنان، فكتب له واستقدمه، ولما اجتمع به عاتبه على عدم الاجتماع به لما قدم من الأندلس لفاس، وكان أبو عنان فرغ من تشييد المدرسة المتوكلية التي بطالعة فاس، فقال له: يا مولانا السلطان، انما أتيت لفاس بقصدك والمثول بين يديك، ولما دخلت هذه المدرسة التي شيدت، ولم أقف على مثلها فيما شاهدته في المعمور كلّه، قلت والله لا بد لي أن أتمم عملي، وأبر قسمي بالوصول إلى أقاليم السودان حتى أشاهده، وأقسم أن ليس في المعمور كله مثلها، فحقق الله ظني، وأبر يميني، هذا موجب تأخيري عن المثول بين يديك، فأكرمه السلطان أبو عنان، وأجرى عليه الانعام، وأمره أن يؤلف رحلته ويذكر فيها مدرسته التي زعم أنها لا نظير لها في المعمور. انتهى.
قال كاتبه عفا الله عنه، وهذا من التغالي في الكذب، ودليل على ما لمزه به فقهاء الأندلس، فان في كل اقليم من أقاليم بلاد العرب، كمصر، والشام، والعراق، التي شاهدناها من المدارس والمساجد، ما هو مثلها وأعلى منها ضخامة وتأنقا وحسنا، وأما بلاد العجم، والترك، فحدث عن البحر ولا حرج، فكل مسجد، وكل مدرسة صغيرة أو كبيرة، فوقها وأعظم منها؟؟؟؟ وأتقن منها، وما وصف به المدرسة العنانية لبانيها، أبي عنان رحمه الله، فانما قصد به مدحه والتخلص منه بتلك الحيلة التي نجح سعيه بسببها، غفر الله لنا وله ولقد أخبرني أحد طلبة السلطان، سيد محمد رحمه الله، أنه كان يسرد عليه رحلة ابن بطوطة، وساق كلام ابن تيمية في الاستواء، والنزول، فنزل من محل جلوسه، وقال: كنزولي هذا، فقال له السلطان سيدي محمد، اطو ذلك الكتاب وبعه في السوق وكل ثمنه لحما، هذا رجل كذاب من اهل التجسيم كمن نقل عنه، فو الله لو حضر بين يدي لاضربن عنقه، فقد تحقق عنه ما وسمه به أهل الأندلس من الكذب، وسيما اذ هو من أهّل البدع.
[الكتاني ينتقد الزياني]
عن مخطوطة الخزانة العامة رقم ٢٩ تحت عنوان:«الشعائر الدينية المقامة بالقرويين»