وفكرت في الرجل الذي حملني على عنقه، فتذكرت ما أخبرني به ولي الله تعالى أبو عبد الله المرشدي حسبما ذكرناه في السفر الأول «٢٣» ، إذ قال لي: ستدخل أرض الهند وتلقى بها أخي دلشاد، ويخلصك من شدة تقع فيها، وتذكرت قوله لما سألته عن اسمه فقال:
القلب الفارح وتفسيره بالفارسية دلشاد، فعلمت أنه هو الذي أخبرني بلقائه وأنه من الأولياء ولم يحصل لي من صحبته إلا المقدار الذي ذكرته.
وكتبت تلك الليلة إلى أصحابي بكول معلما لهم بسلامتي فجاءوا إلي بفرس وثياب، واستبشروا بي ووجدت جواب السلطان قد وصلهم، وبعث بفتى يسمى بسنبل الجامدار عوضا من كافور المستشهد، وأمرنا أن نتمادى على سفرنا، ووجدتهم أيضا قد كتبوا للسلطان بما كان من أمري وتشاءموا بهذه السفرة لما جرى فيها عليّ وعلى كافور، وهم يريدون أن يرجعوا، فلما رأيت تأكيد السلطان في السّفر، أكدت عليهم وقوى عزمي، فقالوا ألا ترى ما اتفق في بداية هذه السفرة والسلطان يعذرك، فلنرجع إليه أو نقيم حتى يصل جوابه، فقلت لهم: لا يمكن المقام وحيث ما كنا أدركنا الجواب.
فرحلنا عن كول ونزلنا بورج بوره «٢٤» وبه زاوية حسنة فيها شيخ حسن الصورة والسيرة يسمى بمحمد العريان لانه لا يلبس عليه إلا ثوبا من سرته إلى أسفل وباقي جسده مكشوف وهو تلميذ الصّالح الولي محمد العريان القاطن بقرافة مصر، نفع الله به.
[حكاية هذا الشيخ]
وكان من أولياء الله تعالى قائما على قدم التجرد يلبس تنّورة، وهو ثوب يستر من سرته إلى أسفل، ويذكر أنه كان إذا صلّى العشاء الآخرة أخرج كل ما بقى بالزاوية من طعام وادام وماء وفرق ذلك على المساكين ورمى بفتيلة السراج، وأصبح على غير معلوم.
وكانت عادته أن يطعم أصحابه عند الصباح خبزا وفولا فكان الخبازون والفوّالون يستبقون إلى زاويته فيأخذ منهم مقدار ما يكفي الفقراء، ويقول لمن أخذ منه ذلك: أقعد حتى يأخذ أول ما يفتح به عليه في ذلك اليوم قليلا كثيرا.
ومن حكايته أنه لما وصل قازان ملك التتر إلى الشام بعساكره وملك دمشق ما عدا قلعتهما، وخرج الملك الناصر إلى مدافعته ووقع اللقاء على مسيرة يومين من دمشق بموضع