كان له نحو أربعين سنة يسرد الصوم ولا يفطر، إلا بعد مواصلة عشر، وكانت له بقرة يفطر على حليبها، ويقوم الليل كله وكان نحيف الجسم طوالا خفيف العارضين، وعلى يديه أسلم أهل تلك الجبال ولذلك أقام بينهم.
[كرامة له]
أخبرني بعض أصحابه أنه استدعاهم قبل موته بيوم واحد وأوصاهم بتقوى الله وقال لهم: إني أسافر عنكم غدا إن شاء الله وخليفتي عليكم الله الذي لا إله إلا هو، فلما صلّى الظهر من الغد قبضه الله في آخر سجدة منها، ووجدوا في جانب الغار الذي كان يسكنه قبرا محفورا عليه الكفن والحنوط، فغسلوه وكفنوه وصلّوا عليه ودفنوه به رحمه الله.
[كرامة له أيضا]
ولما قصدت زيارة هذا الشيخ لقيني أربعة من أصحابه على مسيرة يومين من موضع سكناه، فأخبروني أن الشيخ قال للفقراء الذين معه: قد جاءكم سائح المغرب فاستقبلوه، وأنهم أتوا لذلك بأمر الشيخ ولم يكن عنده علم بشيء من أمري، وإنما كوشف به.
وسرت معهم إلى الشيخ فوصلت إلى زاويته خارج الغار ولا عمارة عندها، وأهل تلك البلاد من مسلم وكافر يقصدون زيارته، ويأتون بالهدايا والتّحف فيأكل منها الفقراء والواردون، وأما الشيخ فقد اقتصر على بقرة يفطر على حليبها بعد عشر كما قدمناه، ولمّا دخلت عليه قام إلي وعانقني وسألني عن بلادي وأسفاري، فأخبرته، فقال لي: أنت مسافر العرب! فقال له من حضر من أصحابه: والعجم يا سيدنا! فقال: والعجم، فأكرموه فاحتملوني إلى الزاوية وأضافوني ثلاثة أيام «٣١٢» .
[حكاية عجيبة في ضمنها كرامات له.]
ولما كان يوم دخولي إلى الشيخ رأيت عليه فرجية مرعز، فأعجبتني وقلت في نفسي:
ليت الشيخ أعطانيها، فلما دخلت عليه للوداع، قام إلى جانب الغار وجرّد الفرجية وألبسنيها مع طاقية من رأسه ولبس مرقعة، فأخبرني الفقراء أن الشيخ لم تكن عادته أن يلبس تلك الفرجية وإنما لبسها عند قدومي، وأنه قال لهم: هذه الفرجية يطلبها المغربي، ويأخذها منه سلطان كافر ويعطيها لأخينا برهان الدين الصّاغرجي، وهي له وبرسمه كانت، فلما أخبرني