وكان سلطانها في عهد دخولي إليها أبو المظفّر حسن، ويكنّى أيضا أبا المواهب «٧٢» لكثرة مواهبه ومكارمه، وكان كثير الغزو إلى أرض الزنوج يغير عليهم ويأخذ الغنائم فيخرج خمسها ويصرفه في مصارفه المعيّنة في كتاب الله تعالى «٧٣» ، ويجعل نصيب ذوي القربى في خزانة على حدة «٧٤» ، فإذا جاءه الشرفاء دفعه إليهم.
وكان الشرفاء يقصدونه من العراق والحجاز وسواها، ورأيت عنده من شرفاء الحجاز جماعة منهم محمد بن جمّاز، ومنصور بن لبيدة بن أبي نمّى، ومحمد بن شميلة بن أبي نمى، ولقيت بمقدشو تبل بن كبيش بن جماز «٧٥» ، وهو يريد القدوم عليه، وهذا السلطان له تواضع شديد ويجلس مع الفقراء وياكل معهم ويعظّم أهل الدين والشرف.
[حكاية من مكارمه]
حضرته يوم جمعة وقد خرج من الصلاة قاصدا إلى داره فتعرّض له أحد الفقراء اليمنيّين، فقال له: أبا المواهب، فقال: لبّيك يا فقير ما حاجتك؟ قال: أعطني هذه الثياب التي عليك، فقال له: نعم أعطيكها، قال: الساعة، قال: نعم الساعة، فرجع إلى المسجد ودخل بيت الخطيب فلبس ثيابا سواها وخلع تلك الثياب وقال للفقير: ادخل فخذها فدخل الفقير وأخذها وربطها في منديل وجعلها فوق رأسه وانصرف فعظم شكر الناس للسلطان على ما ظهر من تواضعه وكرمه، وأخذ ابنه وليّ عهده تلك الكسوة من الفقير وعوّضه عنها بعشرة من العبيد، وبلغ السلطان ما كان من شكر الناس له على ذلك فأمر للفقير أيضا بعشرة رؤس من الرقيق وحملين من العاج، ومعظم عطاياهم العاج «٧٦» ، وقلّما يعطون