لقد وعدنا أثناء المقدمة وفي غضون التعاليق بالاتيان ببعض الملاحق التي نراها ضرورية لإيضاح بعض النقط الغامضة في الرحلة أو لتكميل المعلومات الذي كانت في النص موجزة مختصرة ...
[شهادة ابن خلدون]
عن حديث ابن خلدون في المقدمة عمّا يقوله الناس حول مرويّات ابن بطوطة وما أجابه به الوزير ابن ودرار، نسوق ما يلي نقلا عن المقدمة:(طبعة لبنان ١٩٥٦ ص ٣٢٥- ٣٢٧)«ولا تنكرنّ ما ليس بمعهود عندك ولا في عصرك شيء من أمثاله، فتضيق حوصلتك عند ملتقط الممكنات، فكثير من الخواص إذا سمعوا أمثال هذه الأخبار عن الدول السالفة بادر بالإنكار وليس ذلك من الصواب، فإنّ أحوال الوجود والعمران متفاوتة، ومن أدرك منها رتبة سفلى أو وسطى فلا يحصر المدارك كلّها فيها، ونحن إذا اعتبرنا ما ينقل لنا عن دولة بني العباس وبني أميّة والعبيديين، وناسبنا الصحيح من ذلك والذي لا شكّ فيه بالذي نشاهده من هذه الدول التي هي أقلّ بالنسبة إليها وجدنا بينها بونا، وهو لما بينها من التفاوت في أصل قوّتها وعمران ممالكها فالآثار كلّها جارية على نسبة الأصل في القوة كما قدّمناه، ولا يسعنا انكار ذلك عنها، إذ كثير من هذه الأحوال في غاية الشهرة والوضوح، بل فيها ما يلحق بالمستفيض والمتواتر، وفيها المعاين والمشاهد من آثار البناء وغيره. فخذ من الأحوال المنقولة مراتب الدول في قوّتها أو ضعفها وضخامتها أو صغرها، واعتبر ذلك بما نقصه عليك من هذه الحكاية المستظرفة، وذلك أنه ورد بالمغرب لعهد السلطان أبي عنان من ملوك بني مرين رجل من مشيخة طنجة يعرف بابن بطوطة كان رحل منذ عشرين سنة قبلها إلى المشرق وتقلب في بلاد العراق واليمن والهند، ودخل مدينة دهلي حاضرة ملك الهند، وهو السلطان محمد شاه، واتّصل بملكها لذلك العهد وهو فيروزجوه «١» ، وكان له منه مكان، واستعمله في خطّة القضاء بمذهب المالكيّة في عمله، ثم انقلب إلى المغرب واتّصل بالسلطان أبي عنان وكان يحدّث عن شأن رحلته وما رأى من العجائب بممالك الأرض، وأكثر ما كان يحدث عن دولة صاحب الهند إذا خرج إلى السفر أحصى أهل مدينته من الرجال والنساء والولدان، وفرض لهم رزق ستّة أشهر تدفع لهم من عطائه، وأنه عند رجوعه من سفره يدخل في يوم مشهود يبرز فيه الناس كافّة إلى صحراء البلد ويطوفون به، وينصب أمامه في ذلك الحفل منجنيقات على الظهر ترمى بها شكائر الدراهم والدنانير على الناس، إلى أنّ يدخل ايوانه، وأمثال هذه