أخبر بنته بخبر أدهم، وقال: ما رأيت أورع من هذا، ياتي من بخاري إلى بلخ لاجل نصف تفاحة! فرغبت في تزوجه، فلما أتاه من الغد قال: لا احلك إلا أن تتزوج ببنتي، فانقاد لذلك بعد استعصاء وتمنع، فتزوج منها فلما دخل عليها وجدها متزينة، والبيت مزين بالفرش وسواها، فعمد إلى ناحية من البيت، وأقبل على صلاته حتى أصبح، ولم يزل كذلك سبع ليال.
وكان السلطان ما أحلّه قبل، فبعث اليه أن يحله، فقال: لا أحلك حتى يقع اجتماعك بزوجتك، فلمّا كان الليل واقعها، ثم اغتسل، وأقام إلى الصلاة، فصاح صيحة وسجد في مصلاه فوجد ميتا رحمه الله. وحملت منه، فولدت إبراهيم، ولم يكن لجده ولد فأسند الملك إليه.
وكان من تخلّيه عن الملك ما اشتهر، وعلى قبر ابراهيم بن أدهم زاوية حسنة فيها بركة ماء وبها الطعام للصادر والوارد، وخادمها ابراهيم الجمحى من كبار الصالحين، والناس يقصدون هذه الزاوية ليلة النصف من شعبان من سائر أقطار الشام ويقيمون بها ثلاثا ويقوم بها خارج المدينة سوق عظيم فيه من كل شيء ويقدم الفقراء المتجردون من الآفاق لحضور هذا الموسم وكل من يأتي من الزوار لهذه التربة يعطي لخادمها شمعة فيجتمع من ذلك قناطير كثيرة.
وأكثر أهل هذه السواحل هم الطايفة النّصيرية «١٣٩» الذين يعتقدون أن علي بن أبي طالب إلاه! وهم لا يصلون ولا يتطهرون «١٤٠» ولا يصومون، وكان الملك الظاهر ألزمهم بناء المساجد بقراهم فبنوا بكل قرية مسجدا بعيدا عن العمارة ولا يدخلونه ولا يعمّرونه وربما أوت اليه مواشيهم ودوابهم! وربما وصل الغريب اليهم فينزل بالمسجد، ويؤذن للصلاة، فيقولون له: لا تنهق! علفك ياتيك! وعددهم كثير.
[حكاية [المهدي الكاذب]]
ذكر لي أن رجلا مجهولا وقع ببلاد هذه الطائفة فادعى الهداية «١٤١» ، وتكاثروا عليه فوعدهم بتملك البلاد وقسم بينهم بلاد الشام وكان يعين لهم البلاد ويأمرهم بالخروج إليها