واتفق في تلك الأيام أن فقيرا يعرف بشيخ المشايخ وهو ساكن في جبل خارج مدينة عينتاب «٤٦» ، والناس يقصدونه وهم يتبركون به وله تلميذ ملازم له، وكان متجردا عزبا لا زوجة له، وقال في بعض كلامه: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصبر عن النساء وأنا أصبر عنهن! فشهد عليه بذلك وثبت عند القاضي ورفع أمره إلى ملك الأمراء، وأوتى به وبتلميذه الموافق له على قوله، فأفتى القضاة الاربعة وهم شهاب الدين المالكي، وناصر الدين العديم الحنفي، وتقي الدين بن الصائغ الشافعي وعز الدين الدمشقي الحنبلي بقتلهما معا، فقتلا! وفي أوائل شهر ربيع الأول عام تسعة وأربعين (٤٧) بلغنا الخبر في حلب أن الوباء وقع بغزة وأنه انتهى عدد الموتى فيها إلى زائد على الآلف في يوم واحد «٤٨» ! فسافرت إلى حمص فوجدت الوباء قد وقع بها، ومات يوم دخولي اليها نحو ثلاثمائة إنسان، ثم سافرت إلى دمشق ووصلتها يوم الخميس، وكان أهلها قد صاموا ثلاثة أيام وخرجوا يوم الجمعة إلى مسجد الأقدام حسبما ذكرناه في السفر الأول «٤٩» فخفف الله الوباء عنهم فانتهى عدد الموتى عندهم إلى ألفين وأربع مائة في اليوم! ثم سافرت إلى عجلون «٥٠» ، ثم إلى بيت المقدس ووجدت الوباء قد ارتفع عنه ولقيت خطيبه عز الدين بن جماعة بن عم عز الدّين قاضي القضاة بمصر «٥١» وهو من الفضلاء الكرماء ومرتبه على الخطابة ألف درهم في الشهر.