ودخلنا المدينة فقصدنا زاوية أحد الفتيان الأخية، ومن عوائدهم أنه لا تزال النار موقودة في زواياهم أيام الشتاء أبدا يجعلون في كل ركن من أركان الزاوية موقدا للنار ويصنعون لها منافس يصعد منها الدخان ولا يؤذي الزاوية، ويسمونها البخاريّ واحدها بخيريّ.
قال ابن جزي: وقد احسن صفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحليّ «١٣٣» في قوله في التورية، وتذكّرته بذكر البخيريّ:
لو شئتم انّه يمسي أبا لهب ... جاءت بغالكم حمّالة الحطب «١٣٤»
رجع. قال: فلمّا دخلنا الزاوية وجدنا النار موقدة فنزعت ثيابي ولبست ثيابا سواها واصطليت بالنار، وأتى الأخي بالطعام والفاكهة وأكثر من ذلك، فلله درّهم من طائفة ما أكرم نفوسهم وأشدّ إئثارهم، وأعظم شفقتهم على الغريب، وألطفهم بالوارد، وأحبّهم فيه وأجملهم احتفالا بأمره! فليس قدوم الانسان الغريب عليهم الّا كقدومه على أحبّ أهله إليه! وبتنا تلك الليلة بحال رضيّة، ثم رحلنا بالغداة فوصلنا إلى مدينة كردي بولي «١٣٥» ، وضبط اسمها بكاف معقودة وفتح الراء والدال المهمل وسكون الياء وباء موحدة مضمومة وواو مدّ ولام مكسورة وياء، وهي مدينة كبيرة في بسيط من الأرض حسنة متّسعة الشوارع والأسواق من أشدّ البلاد بردا، وهي محلّات مفترقة. كل محلة تسكنها طائفة لا يخالطهم غيرهم.
[ذكر سلطانها]
وهو السّلطان شاه بك «١٣٦» من متوسطي سلاطين هذه البلاد، حسن الصورة والسيرة جميل الخلق، قليل العطاء، صلّينا بهذه المدينة صلاة الجمعة، ونزلنا بزاوية منها،