وكان من غريب ما اتّفق لنا أنّي بعثت أحد الخدّام ليشتري التّبن للدواب، وبعثت أحدهم يشتري السمن، فأتى أحدهما بالتبن، وأتى الآخر دون شيء وهو يضحك، فسألناه عن سبب ضحكه فقال إنّا وقفنا على دكّان بالسوق، فطلبنا منه السمن فأشار الينا بالوقوف، وكلّم ولدا له فدفعنا له الدراهم فأبطأ ساعة وأتى بالتبن فأخذناه منه وقلنا له: إنّا نريد السمن، فقال: هذا السمن، وأبرز الغيب أنهم يقولون للتبن سمن بلسان الترك! وأما السمن فيسمّى عندهم روغان!! «١٣١» .
ولمّا اجتمعنا بهذا الحاجّ الذي يعرف اللسان العربي رغبنا منه أن يسافر معنا إلى قصطمونية، وبينها وبين هذه البلدة مسيرة عشر، وكسوته ثوبا مصريا من ثيابي وأعطيته نفقة تركها لعياله، وعيّنت له دابّة لركوبه ووعدته الخير وسافر معنا فظهر لنا من حاله أنّه صاحب مال كثير وله ديون على الناس غير أنّه ساقط الهمّة خسيس الطبع سيء الأفعال! وكنا نعطيه الدراهم لنفقتنا فيأخذ ما يفضل من الخبز ويشتري به الأبزار والخضر والملح ويمسك ثمن ذلك لنفسه! وذكر لي أنه كان يسرق من دراهم النفقة دون ذلك، وكنا نحتمله لما كنا نكابده من عدم المعرفة بلسان الترك، وانتهت حاله إلى أن فضحناه، وكنا نقول له في آخر النهار: يا حاجّ كم سرقت اليوم من النفقة؟ فيقول: كذا! فنضحك منه ونرضى بذلك!! ومن أفعاله الخسيسة أنه مات لنا فرس في بعض المنازل فتولى سلخ جلده بيده وباعه، ومنها أنّا نزلنا ليلة عند أخت له في بعض القرى فجاءت بطعام وفاكهة من الإجّاص والتفّاح والمشمش والخوخ كلّها ميبّسة وتجعل في الماء حتى ترطب فتوكل ويشرب ماؤها، فأردنا أن نحسن إليها، فعلم بذلك فقال: لا تعطوها شيئا وأعطوا ذلك لي، فأعطيناه ارضاء له، وأعطيناها إحسانا في خفية بحيث لم يعلم بذلك! ثم وصلنا إلى مدينة بولي «١٣٢» وضبط اسمها بباء موحدة مضمومة وكسر اللام، ولما انتهينا إلى قريب منها وجدنا واديا يظهر في رأى العين صغيرا فلما دخله بعض أصحابنا وجدوه شديد الجرية والانزعاج فجازوه جميعا، وبقيت جارية صغيرة خافوا من تجويزها، وكان فرسي خيرا من أفراسهم فأردفتها، وأخذت في جواز الوادي فلمّا توسطته وقع بي الفرس ووقعت الجارية فأخرجها أصحابي وبها رمق، وخلّصت أنا.