للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذلك، قال لنا ذلك الفارس: أعطوني شيئا من الدراهم، فقلنا له: إذا وصلنا إلى المدينة نعطيك ونرضيك، فلم يرض ذلك منّا أو لم يفهم عنّا، فأخذ قوسا لبعض أصحابي ومضى غير بعيد، ثم رجع فردّ إلينا القوس، فأعطيته شيئا من الدراهم فأخذها وهرب عنّا وتركنا لا نعرف أين نقصد، ولا طريق يظهر لنا، فكنّا نتلمّح أثر الطريق تحت الثلج، ونسلكه إلى أن بلغنا عند غروب الشمس إلى جبل يظهر الطريق به لكثرة الحجارة، فخفت الهلاك على نفسي ومن معي، وتوقعت نزول الثلج ليلا، ولا عمارة هنالك، فإن نزلنا عن الدوابّ هلكنا وإن سرينا ليلتنا لا نعرف أين نتوجّه! وكان لي فرس من الجياد فعلمت على الخلاص، وقلت في نفسي: إذا سلمت لعلّي أحتال في سلامة أصحابي، فكان كذلك واستودعتهم الله تعالى وسرت.

وأهل تلك البلاد يبنون على القبور بيوتا من الخشب يظنّ رائيها أنها عمارة فيجدها قبورا، فظهر لي منها كثير فلما كان بعد العشاء وصلت إلى بيوت، فقلت: اللهمّ اجعلها عامرة، فوجدتها عامرة، ووفّقني الله تعالى إلى باب دار فرأيت عليه شيخا فكلّمته بالعربي فكلّمني بالتركي وأشار إليّ بالدخول فاخبرته بشأن أصحابي، فلم يفهم عنّي، وكان من لطف الله أن تلك الدار زاوية للفقراء والواقف بالباب شيخها فلمّا سمع الفقراء الذين بداخل الزاوية كلامي مع الشيخ، خرج بعضهم، وكانت بيني وبينه معرفة، فسلّم عليّ، وأخبرته خبر أصحابي وأشرت إليه بأن يمضي مع الفقراء لاستخلاص الأصحاب، ففعلوا ذلك وتوجّهوا معي إلى أصحابي وجئنا جميعا إلى الزاوية، وحمدنا الله تعالى على السلامة! وكانت ليلة جمعة، فاجتمع أهل القرية وقطعوا ليلتهم بذكر الله تعالى، وأتى كلّ منهم بما تيسّر له من الطعام وارتفعت المشقّة، ورحلنا عند الصباح فوصلنا إلى مدينة مطرني «١٣٠» عند صلاة الجمعة، وضبط اسمها بضم الميم والطاء المهملة واسكان الراء وكسر النون وياء مدّ، فنزلنا بزاوية أحد الفتيان الأخية، وبها جماعة من المسافرين ولم نجد مربطا للدواب فصلينا الجمعة ونحن في قلق لكثرة الثلج والبرد وعدم المربط، فلقينا أحد الحجّاج من أهلها فسلّم علينا، وكان يعرف اللسان العربي، فسررت برؤيته وطلبت منه أن يدلّنا على مربط للدواب بالكراء، فقال: امّا ربطها في منزل فلا يتأتّي لأن أبواب دور هذه البلدة صغار لا تدخل عليها الدّواب، ولا كني أدلكم على سقيفة بالسوق يربط فيها المسافرون دوابّهم، والذين يأتون لحضور السوق، فدلّنا عليها وربطنا بها دوابنا، ونزل أحد الاصحاب بحانوت خال ازاءها ليحرس الدواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>