فلا يفارق السلطان في سفر ولا حضر فلما قصده تغلق وأصحابه حمى القتال بينهم وبين الهنود وانهزم أصحاب السلطان ولم يبق معه أحد وهرب فنزل عن فرسه ورمى بثيابه وسلاحه وبقى في قميص واحد وأرسل شعره بين كتفيه كما يفعل فقراء الهند، ودخل بستانا هنالك واجتمع الناس على تغلق وقصد المدينة فأتاه الكتوال بالمفاتيح ودخل القصر ونزل بناحية منه، وقال لكشلو خان: أنت تكون السلطان، فقال كشلو خان: بل أنت تكون السلطان وتنازعا فقال له كشلو خان: فإن أبيت أن تكون سلطانا فيتولى ولدك، فكره هذا وقبل حينئذ وقعد على سرير الملك وبايعه الخاص والعام، ولما كان بعد ثلاث اشتدّ الجوع بخسرو خان وهو مختف بالبستان فخرج وطاف به فوجد القيّم فسأله طعاما فلم يكن عنده فأعطاه خاتمه وقال: اذهب فارهنه في طعام. فلما ذهب بالخاتم إلى السوق أنكر الناس أمره ورفعوه إلى الشّحنة، وهو الحاكم، فأدخله على السلطان تغلق فأعلمه بمن دفع إليه الخاتم، فبعث ولده محمدا ليأتي به، فقبض عليه وأتاه به راكبا على تتو، بتائين مثناتين أولاهما مفتوحة والثانية مضمومة وهو البرذون، فلما مثل بين يديه، قال له: إني جائع فائتني بالطعام، فأمر له بالشربة ثم بالطعام ثم بالفقّاع ثم بالتّنبول، فلما أكل قام قائما وقال:
ياتغلق إفعل معي فعل الملوك ولا تفضحني! فقال له: لك ذلك وأمر به فضربت رقبته، وذلك في الموضع الذي قتل هو به قطب الذين، ورمى برأسه وجسده من أعلى السطح كما فعل هو برأس قطب الدين، وبعد ذلك أمر بغسله وتكفينه ودفن في مقبرته واستقام الملك لتغلق أربعة أعوام وكان عادلا فاضلا.
ذكر ما رامه ولده من القيام عليه فلم يتمّ له ذلك.
ولما استقرّ تغلق بدار الملك بعث ولده محمدا ليفتح بلاد التّلنگ «٧٧» ، وضبطها بكسر التاء المعلوة واللام وسكون النون وكاف معقود، وهي على مسيرة ثلاثة أشهر من مدينة دهلي، وبعث معه عسكرا عظيما فيه كبار الأمراء مثل الملك تمور، بفتح التاء المعلوة وضم الميم، وآخره راء، ومثل الملك تكين بكسر التاء المعلوة والكاف وآخره نون، ومثل ملك كافور المهر دار بضم الميم ومثل ملك «٧٨» بيرم، بالباء الموحدة مفتوحة، والياء آخر الحروف، والراء مفتوحة، وسواهم، فلما بلغ إلى أرض التّلنك أراد المخالفة، وكان له نديم من الفقهاء الشعراء يعرف بعبيد فأمره أن يلقى إلى الناس أنّ السلطان تغلق توفى، وظنّه أنّ الناس يبايعونه مسرعين