منها وشفقة، وأمرت بالطعام فأحضر وأكلنا بين يديها وهي تنظر إلينا ولمّا أردنا الانصراف، قالت: لا تنقطعوا عنّا وتردّدوا إلينا وطالعونا بحوائجكم: وأظهرت مكارم الاخلاق وبعثت في أثرنا بطعام وخبز كثير وسمن وغنم ودراهم وكسوة جيّدة وثلاثة من جياد الخيل وعشرة من سائرها، ومع هذه الخاتون كان سفري إلى القسطنطينية العظمى كما نذكره بعد.
[ذكر الخاتون الرابعة]
واسمها أردجا بضمّ الهمزة واسكان الراء وضم الدال المهمل وجيم والف، وأرد بلسانهم المحلّة، وسمّيت بذلك لولادتها في المحلّة، وهي بنت الأمير الكبير عيسى بك أمير الألوس «٤٧» بضمّ الهمزة واللام، ومعناه أمير الأمراء، وأدركته حيّا وهو متزوج ببنت السلطان ايت كججك، وهذه الخاتون من أفضل الخواتين وألطفهنّ شمائل وأشفقهنّ، وهي التي بعثت إليّ لمّا رأت بيتي على التل عند جواز المحلة كما قدّمناه، دخلنا عليها فرأينا من حسن خلقها وكرم نفسها ما لا مزيد عليه، أمرت بالطعام فأكلنا بين يديها، ودعت بالقمز فشرب أصحابنا، وسألت عن حالنا، فأجبناها، ودخلنا أيضا إلى أختها زوجة الأمير علي بن أرزق.
ذكر بنت السّلطان المعظّم أوزبك
واسمها إيت كججك، وايت بكسر الهمزة وياء مدّ وتاء مثناة وكججك بضم الكاف وضم الجيمين، ومعنى اسمها الكلب الصغير، فإنّ إيت هو الكلب، وكججك هو الصغير «٤٨» وقد قدّمنا أنّ الترك يسمون بالفأل، كما تفعل العرب، وتوجهنا إلى هذه الخاتون بنت الملك وهي في محلة منفردة على نحو ستّة أميال من محلة والدها فأمرت بإحضار الفقهاء والقضاة والسيد الشريف ابن عبد الحميد وجماعة الطلبة والمشائح والفقراء، وحضر زوجها الأمير عيسى الذي بنته زوجة السلطان، فقعد معها على فراش واحد وهو معتلّ بالنّقرس فلا يستطيع التصرّف على قدميه ولا ركوب الفرس وانّما يركب العربة، وإذا أراد الدخول على السلطان أنزله خدّامه وأدخلوه إلى المجلس محمولا، وعلى هذه الصورة رأيت أيضا الأمير نغطي، وهو أبو الخاتون الثانية، وهذه العلّة فاشية في هؤلاء الأتراك، ورأينا من هذه الخاتون