الحكايات فتناجي الناس بتكذيبه. ولقيت أيامئذ وزير السلطان فارس بن ودرار البعيد الصيت ففاوضته في هذا الشأن وأريته إنكار اخبار ذلك الرجل لما استفاض في الناس من تكذيبه، فقال لي الوزير فارس: اياك أن تستنكر مثل هذا من أحوال الدول بما انك لم تره، فتكون كابن الوزير الناشىء في السجن، وذلك أن وزيرا اعتقله سلطانه ومكث في السجن سنين ربي فيها ابنه في ذلك المحبس، فلما أدرك وعقل سأل عن اللحم الذي كان يتغذّى به، فقال له أبوه هذا لحم الغنم، فقال وما الغنم؟ فيصفها له أبوه بشياتها ونعوتها، فيقول: يا أبت تراها مثل الفار فينكر عليه، ويقول: أين الغنم من الفأر! وكذا في لحم الإبل والبقر إذ لم يعاين في محبسه من الحيوانات إلا الفار فيحسبها كلّها أبناء جنس الفار. ولهذا كثيرا ما يعتري الناس في الاخبار كما يعتريهم الوسواس في الزيادة عن قصد الإغراب كما قدّمناه أول الكتاب، فليرجع الانسان إلى أصوله وليكن مهيمنا على نفسه ومميزا بين طبيعة الممكن والممتنع بصريح عقله ومستقيم فطرته، فما دخل في نطاق الإمكان قبله، وما خرج عنه رفضه، وليس مرادنا الامكان العقليّ المطلق فانّ نطاقه أوسع شيء فلا يفرض حدّا بين الواقعات، وانما مرادنا الامكان بحسب المادّة التي للشيء، فانا اذا نظرنا أصل الشيء وجنسه وصنفه- ومقدار عظمه وقوّته أجرينا الحكم من نسبة ذلك على أحواله، وحكمنا بالامتناع على ما خرج من نطاقه، وقل ربّ زدني علما وأنت أرحم الراحمين والله سبحانه وتعالى أعلم.
[تعقيب الزياني]
وعن التحامل على ابن بطوطة من لدن الزياني مما اشرنا إليه في التقديم نورد نص الترجمانة الكبرى مصحوبا بالرد عليه من قبل الكتاني في مخطوطة عن تاريخ القرويين:
قال الزياني: إنما رسمت فيها (أي الترجمانة) ما شاهدته في الأقاليم التي بلغتها، وغيره نقلته من رحلة العياشي، ومحاضرة اليوسي، ورحلة البلوي، ورحلة ابن نباتة، ورحلة السرخسي للاندلس والمغرب، ورحلة الكردي، ورحلة البكري، واخبار الهند، والسند والصين من تاريخ الإسلام للذهبي، ومن تواريخ لبعض علماء الهند اجتمعت بهم بالحرم الشريف وبمكة، وكنت أسرد عليهم رحلة ابن بطوطة، فأنكروا كثيرا مما فيها من أخبار ملوكهم، وأما قضاؤه بالهند ومصاهرته لسلطانه، فقد أبطلوه بالكلية، وقالوا: هذا غير ممكن، فبسبب ذلك لم أنقل من خبرها شيئا، ثم بعد ذلك وقفت على ترجمته في الاحاطة، لأبي عبد الله الخطيب، نقلا عن شيخه أبي البركات البلفيقي، أن محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي، المعروف بابن بطوطة. حاله كان رجلا له مشاركة في الطب، وارتحل للمشرق وتزيابزي الصوفية، وجال الاقطار، ودخل بلاد العجم، والسند والهند والصين، وعاد لبلده طنجة، وجاز البحر للأندلس،