دخلت يوما على القاضي بإيوالّاتن بعد إذنه في الدخول، فوجدت عنده امرأة صغيرة السن بديعة الحسن، فلما رأيتها ارتبت وأردت الرجوع، فضحكت مني ولم يدركها خجل، وقال لي القاضي: لم ترجع؟ إنها صاحبتي! فعجبت من شأنهما، فإنه من الفقهاء الحجّاج وأخبرت أنه استأذن السلطان في الحج في ذلك العام مع صاحبته، لا أدري أهي هذه أم لا فلم يأذن له!.
[حكاية نحوها]
دخلت يوما على أبي محمد يندكان المسّوفي الذي قدمنا في صحبته فوجدته قاعدا على بساط وفي وسط داره سرير مظلّل، عليه امرأة معها رجل قاعد، وهما يتحدثان، فقلت له: ما هذه المرأة؟ فقال: هي زوجتي، فقلت: وما الرجل الذي معها. أإبنها؟ فقال: هو صاحبها! فقلت له: أترضى بهذا وأنت قد سكنت بلادنا وعرفت أمور الشرع؟! فقال لي:
مصاحبة النساء للرجال عندنا على خير وحسن طريقة لا تهمة فيها، ولسن كنساء بلادكم!! فعجبت من رعونته وانصرفت عنه، فلم أعد إليه بعدها، واستدعاني مرات فلم أجبه! ولما عزمت على السفر إلى مالي وبينها وبين إيوالّاتن مسيرة أربعة وعشرين يوما للمجدّ اكتريت دليلا من مسّوفة إذ لا حاجة إلى السفر في رفقة لأمن تلك الطريق وخرجت في ثلاثة من أصحابي.
وتلك الطريق كثيرة الأشجار، وأشجارها عادية ضخمة تستظل القافلة بظل الشجرة منها «٣٢» . وبعضها لا أغصان لها ولا ورق، ولكن ظلّ جسدها بحيث يستظل به الانسان، وبعض تلك الأشجار قد استأسن داخلها واستنقع فيه ماء المطر فكأنها بئر! ويشرب النّاس من الماء الذي فيها، ويكون في بعضها النحل والعسل فيشتاره النّاس منها، ولقد مررت بشجرة منها فوجدت في داخلها رجلا حائكا قد نصب بها مرمته وهو ينسج فعجبت منه! قال ابن جزي: ببلاد الأندلس شجرتان من شجر القسطل في جوف كلّ واحد منهما حائك ينسج الثياب: إحداهما بسند وادي آش، والأخرى ببشّارة «٣٣» غرناطة.