ثم رفعه الرجال وركبت فرسي ودخلنا القصر فجلس بموضع مرتفع وعنده الوزراء والأمراء ووقف العبيد بالتّرسة والسيوف والعصى، ثم أتى بالطعام ثمّ الفوفل والتنبول ثم أتى بصفحة صغيرة فيها الصندل المقاصرى «٢٣٠» ، فإذا أكلت جماعة من الناس تلطّخوا بالصندل.
ورأيت على بعض طعامهم يومئذ حوتا من السردين مملوحا غير مطبوخ، أهدي لهم من كولم، وهو ببلاد المليبار كثير، فأخذ الوزير بسردينة وجعل يأكلها، وقال لي: كل منه فإنه ليس ببلادنا! فقلت: كيف أكله وهو غير مطبوخ؟ فقال: إنه مطبوخ، فقلت: أنا أعرف به فإنه ببلادي كثير!!
[ذكر تزوجي وولايتي القضاء]
وفي الثاني من شوال «٢٣١» اتفقت مع الوزير سليمان مانايك على تزوج بنته، فبعث إلى الوزير جمال الدين أن يكون عقد النكاح بين يديه بالقصر فأجاب إلى ذلك، وأحضر التّنبول على العادة والصندل، وحضر الناس وأبطأ الوزير سليمان، فاستدعي فلم يات، ثم استدعي ثانية فاعتذر بمرض البنت، فقال لي الوزير سرّا: إن بنته امتنعت وهي مالكة أمر نفسها، والناس قد اجتمعوا فهل لك أن تتزوج بربيبة السلطانة زوجة أبيها وهي التي ولده متزوج بنتها؟ فقلت له: نعم، فاستدعى القاضي والشهود ووقعت الشهادة، ودفع الوزير الصداق، ورفعت إليّ بعد أيام، فكانت من خيار النساء، وبلغ حسن معاشرتها أنها كانت إذا تزوجت عليها تطيّبني وتبخر أثوابي وهي ضاحكة لا يظهر عليها تغيّر «٢٣٢» .
ولما تزوجتها أكرهني الوزير على القضاء وسبب ذلك اعتراضي على القاضي لكونه يأخذ العشر من التركات إذا قسمها على أربابها، فقلت له: إنما لك أجرة تتفق بها مع الورثة، ولم يكن يحسن شيئا، فلما ولّيت اجتهدت جهدي في إقامة رسوم الشرع، وليست هنالك خصومات كما هي ببلادنا! فأول ما غيرت من عوائد السوء مكث المطلقات في ديار المطلّقين، وكانت إحداهن لا تزال في دار المطلّق حتى تتزوج غيره، فحسمت علة ذلك، وأوتى إليّ بنحو خمسة وعشرين رجلا ممن فعل ذلك فضربتهم وشهّرتهم بالأسواق وأخرجت النساء عنهن ثم اشتددت في إقامة الصلوات وأمرت الرجال بالمبادرة إلى الأزقة والأسواق إثر