وتاتي الشخصية الثالثة التي كان سبب ظهورها على الساحة حدثا وقع على سبيل الصدفة! ويتعلق الأمر بأبي عبد الله محمد بن أبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي المولود بغرناطة سنة ٧٢١- ١٣٢١.
لقد اجتمع هذا الرجل بالرحالة المغربي في غرناطة، وبالضبط في بستان أبي القاسم ابن عاصم حيث انتظم لقاء نزهة جمع عددا من وجوه العاصمة الاندلسية، ووجدنا أن ابن جزي يعرب عن ارتياحه للاستمتاع بأخبار رحلة ابن بطوطة، ولم يتردد في الاعتراف بأنه قيّد عنه في ذلك البستان أسماء الأعلام الذين لقيّهم ابن بطوطة في الرحلة، وأنه استفاد منه فوائد عجيبة ... " وبهذه المناسبة سأل ابن بطوطة عن مولده فأخبره بأنه ولد بطنجة يوم الاثنين ١٧" رجب ٧٠٣ «٥» . ولا ننسى أنّ ابن جزي هذا كان على ذلك العهد في خدمة أبي الحجاج يوسف ابن الأحمر النصري ملك غرناطة الذي كان يطرب لأدب الكاتب وفكاهته «٦» ...
" وإذا أراد الله أمرا هيّأ له أسبابه" كما يقولون. فقد حدث أن تعرض ابن جزي لظلم لحقه من ملكه أبي الحجاج في أعقاب وشاية آثمة، ولم يتحمل ابن جزي إهانة السوط فالتحق بالمغرب «في آخر عام ثلاثة وخمسين» حيث وجد من السلطان أبي عنان ما كان يرجوه ...
وقد كان ابن جزي في صدر الذين قالوا الشعر في" الزاوية العظمى"«٧» التي بناها السلطان أبو عنان على ضفاف وادي الجواهر.
وقد شرع في تأليف حول تاريخ غرناطة. وقف لسان الدين ابى الخطيب على بعض أجزائه عام ٧٥٥- ١٣٥٤ بمناسبة سفارته لدى السلطان أبي عنان.
وعند ما قرّر السلطان أبو عنان استنساخ رحلة ابن بطوطة لم يجد في مجلسه أفضل من الكاتب ابن جزي صاحب الخط الرفيع البديع سيّما وأنه قام- على ما أسلفنا- بالخطوات الأولى وهو في غرناطة، وهكذا امتثل الأمر على ما كان به من علة لم تمهله. وهكذا كتب لابن جزي أن يستمر ذكره عبر الأرجاء رغم عمر قصير لم يتجاوز ستّا وثلاثين سنة «٨» ...