السند أقام بها حتى ينفذ أمر السلطان بقدومه، وما يجرى له من الضيافة وإنما يكرم الإنسان على قدر ما يظهر من أفعاله وتصرفاته وهمته إذ لا يعرف هنالك، ما حسبه ولا آباؤه.
ومن عادة ملك الهند السلطان أبي المجاهد محمد شاه إكرام الغرباء ومحبتهم وتخصيصهم بالولايات والمراتب الرفيعة، ومعظم خواصه وحجابه ووزرائه وقضاته وأصهاره غرباء، ونفّذ أمره بأن يسمى الغرباء في بلاده بالأعزّة «٦» ، فصار لهم ذلك اسما علما، ولا بدّ لكّل قادم على هذا الملك من هدية يهديها إليه، ويقدمها وسيلة بين يديه، فيكافيه السلطان عليها بأضعاف مضاعفة، وسيمرّ من ذكر هدايا الغرباء إليه كثير.
ولما تعوّد الناس ذلك منه صار التجار الذين ببلاد السند والهند يعطون لكل قادم على السلطان الآلاف من الدنانير دينا، ويجهّزونه بما يريد أن يهديه إليه أو يتصرف فيه لنفسه من الدوابّ للركوب والجمال والأمتعة ويخدمونه بأموالهم وأنفسهم، ويقفون بين يديه كالحشم، فإذا وصل السلطان أعطاه العطاء الجزيل فقضى ديونهم، ووفاهم حقوقهم، فنفقت تجارتهم، وكثرت أرباحهم، وصار لهم ذلك عادة مستمرة.
ولما وصلت إلى بلاد السند سلكت ذلك المنهج واشتريت من التجار الخيل والجمال والمماليك وغير ذلك، ولقد اشتريت من تاجر عراقي من أهل تكريت يعرف بمحمد الدوري بمدينة غزنة نحو ثلاثين فرسا وجملا عليه حمل من النّشاب فإنه مما يهدى إلى السلطان، وذهب التاجر المذكور إلى خراسان، ثم عاد إلى الهند، وهنالك تقاضى مني ماله واستفاد بسببي فائدة عظيمة وعاد من كبار التجار، ولقيته بمدينة حلب بعد سنين كثيرة وقد سلبني الكفار مما كان بيدي فلم ألق منه خيرا.
ذكر الكركدّن
ولما أجزنا نهر السند المعروف ببنج آب دخلنا غيضة قصب لسلوك الطريق، لأنه في وسطها، فخرج علينا الكركدن، وصورته أنه حيوان أسود اللون، عظيم الجرم رأسه كبير،