شهدت مرة بهذا المسجد صلاة الجمعة فلما قام الخطيب به إلى الخطبة وسردها لحن فيها لحنا كثيرا جليا فعجبت من أمره وذكرت ذلك للقاضي حجّة الدين فقال لي: إن هذا البلد لم يبق به من يعرف شيئا من علم النحو! وهذه عبرة لمن تفكّر فيها، سبحان مغيّر الأشياء ومقلّب الأمور. هذه البصرة التي إلى أهلها انتهت رياسة النحو، وفيها أصله وفرعه، ومن أهلها إمامه «٤٥» الذي لا ينكر سبقه لا يقيم خطيبها خطبة الجمعة على دؤبه عليها.
ولهذا المسجد سبع صوامع إحداها الصومعة التي تتحرّك، بزعمهم عند ذكر عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، صعدت إليها من أعلى سطح المسجد ومعي بعض أهل البصرة فوجدت في ركن من أركانها مقبض خشب مسمّرا فيها كأنه مقبض مملّسة البنّاء، فجعل الرجل الذي كان معي يده في ذلك المقبض وقال: بحقّ رأس أمير المومنين عليّ رضي الله عنه، تحرّكي! وهزّ المقبض، فتحركت الصومعة، فجعلت أنا يدي في المقبض وقلت له: وأنا أقول: بحقّ رأس أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تحرّكى! وهززت المقبض فتحركت الصومعة «٤٦» ! فعجبوا من ذلك! وأهل البصرة على مذهب السنّة والجماعة، ولا يخاف من يفعل مثل فعلي عندهم، ولو جرى مثل هذا بمشهد عليّ أو مشهد الحسين أو بالحلّة أو بالبحرين أو قم أو قاشان أو ساوة أو آوه أو طوس لهلك فاعله! لأنّهم رافضة غالية.
قال ابن جزي: قد عاينت بمدينة برشانة «٤٧» من وادي المنصورة من بلاد الأندلس حاطها الله، صومعة تهتزّ من غير أن يذكر لها أحد من الخلفاء أو سواهم، وهي صومعة المسجد الأعظم بها، وبناؤها ليس بالقديم، وهي كأحسن ما أنت راء من الصوامع، حسن