خمسمائة نفس فعمّرت لهم سقائف في دارين وأسكنتهم بها، وكنت أعطيتهم نفقة خمسة أيام في خمسة أيام، فلما كان في بعض الأيام أتوني بمرأة منهم، وقالوا: إنها كفتار وقد أكلت قلب صبيّ كان إلى جانبها، وأتوا بالصبي ميّتا، فأمرتهم أن يذهبوا بها إلى نائب السلطان فأمر باختبارها وذلك بأن ملأوا أربع جرات بالماء وربطوها بيدها ورجليها وطرحوها في نهر الجون فلم تغرق، فعلم أنها كفتار! ولو لم تطف على الماء لم تكن بكفتار، فأمر بإحراقها بالنّار وأتى أهل البلد رجالا ونساء فأخذوا رمادها وزعموا أنه من تبخر به أمن في تلك السنة من سحر كفتار!
[حكاية [سحر الجوكية]]
بعث إلي السلطان يوما وأنا عنده بالحضرة فدخلت عليه وهو في خلوة وعنده بعض خواصه ورجلان من هؤلاء الجوكية وهم يلتحفون بالملاحف ويغطّون رؤوسهم لأنهم ينتفونها بالرماد كما ينتف الناس أباطهم. فأمرني بالجلوس فجلست، وقال لهما: إن هذا العزيز من بلاد بعيدة فأرياه ما لم يره! فقالا: نعم، فتربع أحدهما ثم ارتفع عن الأرض حتى صار في الهواء فوقنا متربعا، فعجبت منه، وأدركني الوهم فسقطت إلى الأرض! فأمر السلطان أن أسقي دواء عنده فأفقت وقعدت وهو على حاله متربع، فأخذ صاحبه نعلا من شكارة كانت معه فضرب بها الأرض كالمغتاظ فصعدت إلى أن علت فوق عنق المتربّع وجعلت تضرب في عنقه وهو ينزل قليلا حتى جلس معنا، فقال لي السلطان: إن المتربع هو تلميذ صاحب النّعل، ثم قال: لولا أني أخاف على عقلك لأمرتهم أن ياتوا بأعظم مما رأيت! فانصرفت عنه وأصابني الخفقان ومرضت حتى أمر لي بشربة أذهبن ذلك عني.
ولنعد لما كنا بسبيله، فنقول: سافرنا من مدينة برون إلى منزل أمواري، ثم إلى منزل كجرّا «٤٣» وبه حوض عظيم طوله نحو ميل وعليه الكنائس فيها الأصنام، قد مثّل بها المسلمون، وفي وسطه ثلاث قباب من الحجارة الحمر على ثلاث طباق وعلى أركانه الأربعة أربع قباب، ويسكن هنالك جماعة من الجوكية وقد لبّدوا شعورهم وطالت، حتى صارت في طولهم وغلبت عليهم صفرة الألوان من الرياضة، وكثير من المسلمين يتبعونهم ليتعلموا منهم، ويذكرون أن من كانت به عاهة من برص أو جذام يأوي إليهم مدة طويلة فيبرأ بإذن الله تعالى.